[خطر الشرك في إحباط العمل]
إن الحمد لله، له الحمد الحسن، والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
الشرك -أيها الإخوة الكرام- هو السيئة الوحيدة التي لا تبقي بعدها حسنة: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:٨١]، ولا توجد سيئة تحيط بالعبد كل الإحاطة إلا الشرك، ولذلك لا يقبله الله عز وجل من أي إنسان كائناً من كان.
قال الله تبارك وتعالى لأشرف خلقه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:٦٥ - ٦٦].
ذكر الله عز وجل ثمانية عشر نبياً أولهم إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء وأسوة الحنفاء: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأنعام:٨٣ - ٨٦].
وليس هؤلاء فقط، وإنما ذكر بهؤلاء لشرفهم، وإلا المسألة عامة، قال تعالى: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٨٧ - ٨٨].
لو أشركوا مع نزاهتهم وجلالتهم لحبط عنهم ما كانوا يعملون، فكيف أهمل المسلمون معرفة هذا الباب الخطير، وصار المرء إذا قال: يا جماعة! ابدءوا بالتوحيد، قالوا له: التوحيد موضوع طويل! إسرائيل أخذت الأرض، ونحن لا قيمة لنا، إنما نعيش على الهامش.
ويندب حظه! وهكم هتفنا بإخواننا: يا جماعة! ابدءوا بالتوحيد قبل توحيد الكلمة، يجيبك قائلاً: الطريق طويل! فاستعجلوا؛ ولذلك ما جنوا شيئاً، ولن يجنوا شيئاً، كل دعوة لا تبدأ بالتوحيد فهي فاشلة.
فهذا باب خطير، ينبغي أن يعتني المرء به، أولاً: لسلامة قلبه، وليستمتع بالدنيا، لا يستمتع بالدنيا إلا أهل الله، وهم الذين يرون الدنيا جميلة، فمن أجل أن تستمتع بالدنيا عليك أن تعبد ربك، ووحد الاتجاه، فإن الله تبارك وتعالى ضرب مثلاً للمشرك -مهما كان عنده من الجاه والمال والسلطان- وأنه لا يشعر بسعادة على الإطلاق: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٢٩].
هذا هو مثل المشرك، رجل له عشرة مالكين، وليتهم على قلب رجل واحد، بل متشاكسون، إذا قال واحد منهم: شرِّق يقول الآخر: غرِّب، حتى ولو لم يكن في الغرب فائدة، لكن يريد أن يعانده فقط، وهذا معنى (متشاكسون) وهم كلهم أسياده، وكل واحد منهم عنده القدرة أن يوقع العقاب بهذا العبد؛ لأنه سيده، يقول أحدهم: يا ولد! اذهب إلى الشرق، الثاني قال: بل إلى الغرب، الثالث قال: بل إلى الشمال، الرابع قال: إلى الجنوب، وقال الخامس: اجلس مكانك، فإذا لم يطع الأول ضربه، وإذا لم يطع الثاني ضربه، والثالث والرابع فهو مضروب منهم جميعاً.
أشقى إنسان على وجه الأرض هو هذا الإنسان لا يجد السعادة على الإطلاق.
إذا احتاج شيئاً يوماً من الأيام فيذهب إلى أحد أسياده فيقول له: أريد كذا، فيقول له سيده: هل طاوعتني؟ لماذا أعطيك وأنت لم تطاوعني، قلت لك: اذهب شرقاً؛ فسمعت كلام الثاني وذهبت غرباً، لا حسنة لك عندي، ويذهب إلى الآخر فيقول له: لا جميل لك عندي! فالرجل لا يستطيع أن يقوم بمطلوب ملاكه، فهو مضروب وملام ومهان، ولا يحفظون له جميلاً ولا حسناً.
هذا جزاء من لم يوحد الجهة، وحِّد الجهة تسترح وتنجُ من أول شَرَك ينصبه الشيطان لك وهو الشرك، أعاذنا الله وإياكم من الشرك ظاهره وباطنه.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلِّط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا وكل ذلك عندنا