كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمر على الفئة الضعيفة المستضعفة وهي تعذب، إما في رمضاء مكة، وإما وجلودها تتوجع من عصي المشركين، وهو صلى الله عليه وسلم لا يملك لهم شيئاً، وكان الله تبارك وتعالى يريد أن يستخلص هؤلاء، فأنت لو استخرجت الذهب من باطن الأرض، وعرضته في الأسواق، فإنه لا يعطي شيئاً كبيراً، إنما يساوي الذهب قيمته إذا أدخلته النار، فتحترق كل شائبة خالطت الذهب، ولا يبقى إلا الذهب؛ لأنه لا يحترق، إنما يزيد لمعاناً في النار، بخلاف غيره، (والناس معادن خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا) فالمؤمن إذا دخل في فرن الابتلاء احترقت كل الشوائب من رياء وسمعة وشرك ونفاق ونحو ذلك، ولن يبقى إلا الإيمان مصقولاً.
ولذلك ترون -في الدنيا كلها- أن من يضطهد لأجل عقيدة يعتقدها لا يزيد عليها إلا ثباتاً، وإن كانت عقيدة باطلة، وخذ مثالاً على هذا: أحد المدافعين عن حقوق العمال طالب حكومته بحقوق العمال، فأبوا أن يستجيبوا، فأضرب عن الطعام ومات جوعاً بعد واحد وعشرين يوماً، وتصور الألم عندما تكون جائعاً جداً، فإنك تموت في كل ثانية وفي كل دقيقة، ولو كانت القضية طلقة رصاصة يستريح بها، أو مات دفعة واحدة لكان هيناً؛ لكن هذا يموت كل ثانية، وهو ثابت على الباطل الذي هو عليه أو على عقيدته التي يعتقد أنها حق، وبعدما مات صنعوا له تماثيل وصار إلهاً؛ لأنه رجل مات على عقيدة، لأنه دافع عن حقوق العمال، فصار هؤلاء العمال يوقرونه حتى عبدوه!! الهندوس فيهم عقول وعجول!! لأنهم يعبدون العجل، بل يعبدون أنثى العجل.
ولو كان أحدهم يمشي بسيارته فاعترضته بقرة في مكان عام، فلا بد أن يسجد، ولا يمكن أن يتعداها، فهذا ممنوع، بل يقف، وإذا قعدت البقرة في الطريق، فإنه ينتظرها حتى تقوم من تلقاء نفسها!! بينما نحن نجد كثيراً من المسلمين لا يوقرون الله ورسوله -وهم أهل الحق- كما يفعل أهل الباطل بباطلهم.
وقد قلت مقالة في هذا المسجد ولا أزال أقولها: إن من بيننا من يلبس دبلة الذهب وخاتم الذهب، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(هذا حرام على ذكور أمتي) فيا أيها الذكر الفحل المسلم هلاَّ نزعته الآن في الحال اتباعاً لنهي النبي صلى الله عليه وسلم، وقلت: لا ينبغي لي أن أخالف نبيي ورسولي، إذا فعلت هذا الآن فلن يعيبك أحد، بل هي مكرمة فيك أن تمد يدك فتنزع هذا الخاتم أو هذه الدبلة ولا تلبسها، وقد جمعني مرة مجلس برجل فأخرج (سيجارة) فقلت له: هلا أطفأت هذه السيجارة! فقال: أليس مكروهاً؟ فنقول: ولو فرضنا أنه مكروه، فلم تفعله؟! فهو يخالف وهو يسمع النهي عن المخالفة ولا يرتدع ولو مؤقتاً، بل في أثناء سماعه للنهي يفعل المنهي عنه.
فتعجب عندما تنظر إلى رجل يعبد بقرة وقد تجده عالم ذرة أو صاحب شهادة دكتوراه في الهندسة أو في مجال آخر، ويكون ضليعاً في العلم وله عقل كبير ورغم ذلك ينتكس بعبادة البقرة.