[التفكر في صفات الله تعالى يوصل إلى محبته سبحانه]
وأنت إذا تأملت في صفات الله تبارك وتعالى، وأمعنت النظر فيها؛ غُلبت على حبه، لأجل هذا نتمنى إذا طرح باب الأسماء والصفات على الناس أن لا يطرح بالطريقة الأكاديمية الموجودة في الكتب، إنما نريد أن نحبب الخلق في الله، نريد من الخلق أن يحبوا الله، وأوسع هذه الأبواب باب الأسماء والصفات.
وأنت تقرأ القرآن تأمل خواتيم الآيات، وتأمل أسماء الله وصفاته مع سياق الآيات، إن كنت ذكياً وعاقلاً بحثت في هذا الكون عن مقتضى لكل اسمٍ من هذه الأسماء.
فمثلاً: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥] عندما تنظر وتتأمل صفة الإحياء المشتملة على الرحمة في قوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} [الحج:٥] أرجو أن تعطيني سمعك؛ لأن الآيات لها سياق {وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج:٥] ثم قال تعالى: {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:٥ - ٧]، وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت:٣٩].
انظر إلى هذا الربط ما بين خلق الإنسان وما بين الأرض؛ إنما يتكون المرء جنيناً في بطن أمه، والنساء هن الأرض التي تبذر فيها النطفة، فتخيل امرأةً لا تنجب، وطافت على الأطباء وقالوا لها: لا أمل.
تستطيع أن تصف حالتها بأنها ذابلة، وحزينة، ولا أمل لها.
قال تعالى: {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً} [الحج:٥] (هامدة) أي: خاشعة، وأظهر علامات الخشوع: الذل والانكسار.
(فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ) فمثل المرأة كمثل الأرض، فإذا ذهبت المرأة إلى طبيب وقال: مبروك، أنتِ حامل، اهتزت وربت، وربربت، وتورد وجهها، وصار لها في الدنيا أمل، فإذا تأملت هذا في الناس وفي الأرض علمت معنى المحيي، وبان لك هذا الاسم، هو صحيح موجود في القرآن، لكن إذا ربطته بالواقع زاد إيمانك، إذاً هناك علاقة ما بين نمو الإنسان في بطن المرأة وما بين الأرض، فالمرأة مثل الأرض، كما قالت امرأة أبي حمزة لما هجرها؛ لأنها لا تلد الذكور قالت: ما لأبي حمزة لا يأتينا غضبان أن لا نلد البنيينا والله ما ذلك في أيدينا إنما نحن كالأرض لزارعينا أي: نحن نخرج ما قد يبذر فينا ولذلك لا عهدة على المرأة في مسألة الذكور والإناث، رجل متزوج امرأة لا تنجب إلا البنات باستمرار، فيذهب الرجل ويتزوج بأخرى لكي تلد أولاداً ذكوراً، فالمرأة ليس لها دخل بمسألة الإنجاب سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً.
فانظر إلى آثار الله عز وجل في هذا الكون، واربطه بأي اسم من الأسماء والصفات ومثل اسم (الوكيل) عندما يظلمك إنسان تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، وترى المظلوم يذهب إلى القسم ويشتكي ممن ظلمه، ومع ذلك يفتري عليه، مع أنه قال: حسبي الله ونعم الوكيل، إذاً هذا الإنسان لم يفهم معنى (الوكيل) وإلا لما ذهب وعمل تقريراً مكذوباً، إذاً ما معنى الوكيل أو الكفيل؟ لا يكون الوكيل وكيلاً حتى يحفظ، ولا يكون كفيلاً حتى يحفظ، فإذا لم يحفظ لم يكن لا كفيلاً ولا وكيلاً.
وإليك قصة الخشبة التي رواها البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تسلف رجل من رجلٍ ألف دينار، فقال الرجل: ائتني بكفيل.
قال: كفى بالله كفيلاً، قال: ائتني بوكيل.
قال: كفى بالله وكيلاً.
قال: ائتني بشهيد، قال: كفى بالله شهيداً، قال صدقت، وأعطاه الألف دينار على أجل) بعد ما انتهت المدة المضروبة أراد الرجل أن يوفي دينه إلى صاحبه، وكان بينهما بحراً وهاجت الريح وانقطعت حركة الملاحة، وحيل بينهما.
الرجل صاحب المال منتظر على الشاطئ الآخر، والرجل المدين على الشاطئ الثاني، فلما يئس المدين أن يجد مركباً أتى بخشبةٍ فنقرها، ثم رفع بصره إلى السماء، فقال: (ربِّ! إنك تعلم أنني جئت فلاناً فقلت: أسلفني ألف دينار.
قال: ائتني بشهيد، قلت: كفى بالله شهيداً.
فرضي بك، قال: ائتني بكفيل، قلت: كفى بالله كفيلاً، فرضي بك.
قال: ائتني بوكيل، قلت: كفى بالله وكيلاً، فرضي بك، وأني استحفظك هذه الخشبة) -ووضع الألف الدينار في الخشبة وسمر عليها، وقذف بها في البحر.
ما معنى خشبة في بحرٍ لجي، الأمواج فيه كالجبال، أليس من السهل أن تبتلع هذه الخشبة وتذهب؟ لكن الله وكيل، أي: حفيظ، كفى بالله كفيلاً، ولذلك البخاري افتتح كتاب الكفالة بهذا الحديث، ليقول لك: لا يكون كفيلاً إلا من يكون حفيظاً، فإذا ضيع لا يكون كفيلاً، ولا يكون وكيلاً.
فلما رمى بالخشبة في البحر، وذهبت الخشبة وصلت إلى الرجل في الشاطئ الآخر، وجعلت تتأرجح على الموج تروح وتجيء، (فلما يئس الرجل أن يرى مركباً، ونظر إلى الخشبة فقال: آخذها أستدفئ بها أنا وعيالي، فأخذها، فلما ذهب إلى البيت نقرها فإذا صرةٌ تنزل منها، فتح الصرة فإذا بكتاب من صاحبه إليه: إنه قد حيل بيني وبينك، وإني قد استودعت الشهيد والكفيل الخشبة.
فأخذ الرجل الخشبة، وعلم أن صاحبه عجز أن يصل إليه)، كل ذلك والرجل يحاول أن يجد مركباً آخر، حتى وجد مركباً (فأخذ ألف دينارٍ أخرى وانطلق إلى صاحبه، فقال: هذا مالك، وإنه لم يمنعني أن آتيك في الموعد إلا أنه حيل بيني وبينك ولم أجد مركباً.
فقال له صاحبه: هل أرسلت إليَّ شيئاً؟ فقال الرجل: أقول لك: هذا أول مركب، فقال له -كما في صحيح ابن حبان من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة -: ارجع راشداً فقد أدى عنك وكيلك)، لا يكون وكيلاً إلا أن يكون حفيظاً.
ولذلك كثير من الناس يفهم كفالة اليتامى غلطاً، النبي عليه الصلاة والسلام لما قال للصحابة -كما في الصحيحين من حديث سهل بن سعد -: (أنا وكافل اليتيم كهاتين) فبعض الناس يتصور أنه عندما يلقي بعشرة جنيه أو عشرين جنيهاً لكفالة اليتيم وكفى يتصور أنه حقق الكفالة وسيأخذ هذا الأجر أبداً.
(أنا وكافل اليتيم) والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يتم بعد احتلام)، فأول ما يبلغ الولد الاحتلام سقط عنه حكم اليتم، وأول ما تبلغ المرأة المحيض لم تعد يتيمة.
إذاً قبل الاحتلام وقبل المحيض هو طفل صغير، وصبي صغير، أو طفلة صغيرة، لا يدبر أمر نفسه، هذا الولد ماذا فقد؟ فقد أباه، فلا تأخذ هذا الأجر إلا إذا كنت في موضع الوالد من هذا اليتيم، تذهب إليه، وترعاه، وتتفقد أمره، إذا كان مريضاً تسعى في علاجه، إذا كان في المدرسة تتابع ملفاته... أنت ولي أمره، تنزله بمنزلة الولد.
إذا فعلت هذا كنت كافلاً؛ لأن الكفيل بمعنى الحفيظ، وليس من أعطى يتيماً مبلغاً من المال يكون كافلاً له، لا.
لكن لا شك أن هذا فيه خير، لكن لا يصل إلى ذلك الفضل أن يكون هو والنبي صلى الله عليه وسلم كهاتين، والحافظ ابن حجر يقول: وإن كان هناك فرقٌ بين الإصبعين لكن ليس بينهما إصبع ثالث، وهذا يدل على المتاخمة، وعلى قرب ما بين هذا الكافل وما بين النبي صلى الله عليه وسلم.
إذاً ظلمك شخص وقلت: حسبي الله ونعم الوكيل، فإياك أن تعمل شيئاً محرماً، كأن تذهب وتفتري عليه، وتعمل تقريراً مكذوباً لماذا؟ لأنك جعلت الله وكيلك، وهذا شرفٌ لك أن يكون الله وكيلك، أنت لا يمكن أن تعطي توكيلاً رسمياً لخائن، أو لشخص تظن انه يمكن أن يبيع أملاكك، لا تعطي عادةً التوكيل إلا لرجلٍ يحفظ لك حقك، سواء كان توكيلاً مؤقتاً أو خاصاً أو عاماً، ولا يتصور أن توكل خائناً أبداً.
فمعنى أن تجعل الله وكيلك فإنه سيستوفي لك يقيناً، أكثر من استيفائك لنفسك، فلما تقول: حسبي الله ونعم الوكيل تحقق من معنى اسم (الوكيل) وتأمله، لو تحققت من معناه وملأ قلبك؛ لتركت كل شيءٍ له، قال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:١٧٣] ما الذي حصل لهم؟ قال عز وجل: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:١٧٤]، فهذا جزاء الوكالة، فأنت لا تحب ربك إلا إذا ربطت ما بين الأسماء والواقع؛ لترى آثار الأسماء الحسنى في حياتك.
حدثني بعض الذين كانوا يوصلون أموال الزكاة إلى الفقراء، قال: ذهبت إلى بعض الفقراء في منتصف الليل، وكنا في الشتاء -ومنتصف الليل في الشتاء يعني لا يوجد أحد قط في الشارع- قال: ولما أوصلت الأمانة للفقير حتى لا يراه الناس ولا يراني الناس وأنا أعطيه؛ حفاظاً على شعوره وإحساسه، قال: وأنا راجعٌ إلى بيتي سمعت غطيط نائم، قال: وكانت الدنيا باردة، والجو مطير وفيه رعد وبرق، فلفت نظري هذا الغطيط، ولا يصدر للمرء غطيط إلا إذا كان مستغرقاً في نومه، قال: فتتبعت