للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصم والبكم الذين لا يعقلون]

أول الدرجات أن يوجل القلب، وهي أول الصفات التي ذكرها الله تبارك وتعالى للمؤمنين، وفي مقابل هذا قال الله عز وجل: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:٢٢ - ٢٣]، هذا وصف للكافرين في مقابل وصف المؤمنين فذكر الله عز وجل فقد الكافرين لأعظم حاستين من الحواس وأجل طريقين إلى الفهم، ونحن نعلم أن مستقر العقل هو القلب، وأن عقل المرء في قلبه.

ولهذا العقل طرق، أجل هذه الطرق: السمع والكلام، فقال تبارك وتعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال:٢٢ - ٢٣] عنده الجارحة -وهي الأذن- سليمة ولا إشكال فيها، فهو سمع سمع إدراك -أي: سمع حاسة- ولكنه لم يسمع سمع فهم، بل يسمع فيزداد طغياناً، يسمع فتنقلب عليه المعاني؛ لأن الفهم منحة من الله تبارك وتعالى، كما قال عز وجل: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} الأنبياء:٧٨ - ٧٩].

فالفهم منحة من الله عز وجل يختص الله عز وجل بها من يشاء من عباده، فهؤلاء سمعوا سمع حاسة، ولكنهم لم يفهموا عن الله تبارك وتعالى، ولم يستفيدوا بهذا البيان الذي سمعوه وهم معرضون، وهنا تجد التباين ما بين الفئة المؤمنة وما بين الفئة الكافرة.

إننا نذكر هذا التباين لنستفيد منه في هذا الواقع المر، إن كثيراً ممن ينتسبون إلى الإسلام الآن يصنعون صنيع المشركين: يسمعون آيات الله عز وجل فيخرون عليها صماً وعمياناً.

وعندما تطالع الصحف والمجلات والكتب المنشورة، لا تتصور أننا في بلد يحكمه الإسلام، ففي كل يوم تظهر صور جديدة للردة عن الدين! ويخرج هذا باسم حرية الفكر، وأنه لا حجر على الفكر، وأن المتضرر يلجأ إلى القضاء، والقضاء لسان حاله: (مت يا حمار) فحتى يفصلوا في هذه القضية سيأخذون سنين عدداً، والاستشكالات تخرج من مكامنها.

نصر أبو زيد حتى الآن قضت المحكمة السورية بردته، تغير القاضي وجاء قاض آخر فنسخ هذا الحكم، وهذا رجل كافر، وكفره واضح مثل الشمس في رابعة النهار، ومثله ألوف مؤلفة، فكيف ينصر قوم يُسب الله عز وجل في ديارهم؟! إن الله عز وجل لما ذكر أنه عاقب المشركين قال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:١٣] (شاقوا الله ورسوله) يعني: كانوا في شق، والله رسوله في الشق المقابل، تخلوا عن الله ورسوله وتركوا جانبه، وكانوا مع الذين يظاهرون عليه وعلى رسوله وعلى دينه.