[البلاء سنة من سنن الله]
الابتلاء سنة الأولين والآخرين، لا ينجو منه كافرٌ ولا مؤمن، ويصدق ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام، وكان قد رسم مربعاً على الأرض، ثم مد من داخل المربع خطاً طويلاً تجاوز المربع، وحول هذا الخط -داخل المربع- رسم خطوطاً قصيرة على جانبي هذا الخط الطويل، ثم قال عليه الصلاة والسلام -وأشار إلى المربع-: (هذا أجل ابن آدم محيط به -لا يفلت أبداً، احتواء من كل الجهات- ثم أشار إلى الخط الطويل الذي خرج من المربع وقال: وهذا أمله -أمله يحتاج إلى أضعاف عمره- ثم أشار إلى الخطوط القصيرة حول هذا المربع فقال: وهذه الأعراض هي المصائب التي تحيط بالعبد في حياته، إذا نجا من عرض نهشه الآخر) معنى هذا الكلام أنه لابد من الابتلاء.
فالذي يفر من الله ورسوله خشية أن يبتلى، نقول له: ستبتلى، ولكن بشكل آخر، إما بامرأةٍ ناشز، أو بولدٍ يضيع، أو بمالٍ وضيع، أو بمصنع يحترق، أو بظالم يظلمك.
أهل الدنيا ليسوا بمأمنٍ من البلاء، بل هم أكثر الناس بلاءً، فلماذا تفر من الله ورسوله، فالابتلاء من أجل الله ودينه فيه شرفٌ لك، وهذه سنةُ الأنبياء والمرسلين.
وهذا الحديث يبين لنا الفتنة التي تلم بالعبد في العقيدة.
فهذا الغلام الذي أيقظ مملكةً بأكملها، ما ظن أنه سيناط به هذا التكليف العظيم.
كذلك نقول لك: لا تحتقر نفسك، إنك لا تدري ما يُكتب لك بأمنيتك، سل أي عالم كبير جليل هل كنت في أي مرحلةٍ من حياتك تظن أنك ستصل إلى هذه المكانة؟ سيقول لك: لا.
سواءً كان الإمام البخاري، أو الإمام أحمد، أو الإمام الشافعي.
ولذلك فإن مواليد العلماء فيها خلاف، لكن وفياتهم لا؛ لأنه يوم ولد كان كملايين المواليد، لا يعرفون، هل سيكون أحدهم عالماً أم قاطع طريق، ولكن عندما يموت يسجل تاريخ وفاته؛ لأنه لم يمت إلا وقد ملأ الدنيا علماً.
فأنت لا تدري ما يكتب لك من أمنيتك، فلا تحتقر نفسك، لعل الله عز وجل يغير الأمة بك وأنت لا تدري، المهم: أن تفعل كما أمرك الله عز وجل وأوصى رسوله صلى الله عليه وسلم حين قال: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود:١١٢].
هذا الغلام الذي حول الله عز وجل به هذه المملكة، غلام صغير، والساحر كان في ذلك الزمان كالمخابرات في هذا الزمان، وكان الملك يستخدمه في تسيير دفة الأمور بلا أسباب، فعندما تقع مشكلة كان يستخدم الساحر، مثلما فعل الملك مع الغلام عندما خرجت دابةٌ عظيمة اعترضت الناس.
قال الساحر عندما كبر: أخشى أن أموت وليس فيكم من يتعلم السحر، فائتوني بغلام نجيب.
فبحثوا له عن هذا الغلام وجاءوا به، فكان يعلمه السحر، وبينما كان الغلام ذاهباً إلى الساحر مر بصومعة الراهب، وكان الرهبان إذ ذاك على الإسلام كما ورد في رواية الترمذي، وهذه القصة تدلك على أنها حدثت بعد عيسى عليه السلام؛ لأن هذه الرهبانية إنما ابتدعها النصارى.