[المطالبة بتولية المرأة الخلافة وإبطال نصوص المنع]
أحدهم كتب مقالاً يتكلم عن الخلافة العظمى ورئاسة الجمهورية، وأن المرأة يجوز لها أن تتولى رئاسة الجمهورية، وهو يعلم حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (لن يفلح قوماً ولوا أمرهم امرأة) فيأتي ويضع هذا الحديث جانباً أو يزعم أنه مكذوب.
ووالله إن الإنسان ليتعجب عندما يسمع عن امرأة لبنانية، عنست وهي عازبة، تكتب في "جريدة الحياة" حصل نقاش في المجلة في باب (أنت تسأل والمفتي يجيب)، وكان المفتي أحد الباحثين المهتمين بالعلم، فوصلت إليه رسالة من قارئة تقول: هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن النساء أكثر أهل النار؟ فقال: نعم.
هذا صح في البخاري ومسلم، وجاء الرجل بالأحاديث.
وفي الأسبوع التالي أرسلت المرأة مقالاً تستنكر فيه هذا الكلام.
فتقول: كيف يكنَّ النساء أكثر أهل النار؟ من الذي صنع القنبلة الذرية غير الرجال؟ ومن الذي صنع الصواريخ والدبابات غير الرجال؟ من هم الذين أضاعوا الكون غير الرجال؟ والحروب التي قامت بين العراق وإيران، من سببها إلا الرجال إلخ ما ذكرت.
وتقول: والنساء ماذا فعلن؟! المفروض أن الرجال هم أكثر أهل النار؛ لأنهم هم الذي ضيعوا الدنيا، والنساء ما فعلن شيئاً، وأضف إلى ذلك أن هذا الكلام ليس مقنعاً لماذا؟ لأن الشيخ ذكر الحديث فقال: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم في العيد وعظ النساء، وقال للنساء: تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فجعلت المرأة تلقي القرط من أذنها والمرأة تلقي بالخاتم، فقالت امرأة: لم يا رسول الله -لماذا النساء أكثر أهل النار؟ - قال: لأنهن يكثرن اللعن، ويكفرن العشير، إذا أحسن إليها الدهر، ثم رأت سوءاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط).
فتقول المرأة اللبنانية: فهل يعقل أن الرسول -أبو الذوق كله- في يوم العيد، بدل أن يقول لهن: كل سنة وأنتن طيبات، يقول لهن: أنتن من أهل جهنم وبئس المصير هل يدخل العقل أن الرسول أحسن الناس خلقاً يوم العيد يضجر عليهن ويقول لهن: رأيتكن أكثر أهل النار، بدل أن يقول لهن: كل سنة وأنتن طيبات، ومن العائدين إن شاء الله.
فتقول: هذا الكلام ليس مقبولاً، والرسول صلى الله عليه وسلم كان رجل ذوق، وظلت تدندن في هذه المسألة.
فانظر كيف تعترض لتنتصر لأبناء جنسها؛ لأنها امرأة؛ فعظم عليها أن يكون أكثر أهل النار من النساء، وكأن هذه حقوق مثل الحقوق التي يريدون أن يأخذوها في الدنيا: أن المرأة لها مثل حقوق الرجل.
فاليوم نحن أمام حملة للتجهيل، فهذا الرجل جاء ليزيل العقبات أمام تولي المرأة للحكم، فأي نص يراه يحيل بين تولي المرأة لرئاسة الجمهورية والخلافة العظمى لابد أن يرد عليه، إما أن ينسفه، وإما ينفي دلالته، وإما أن يقول: موضوع، ولابد أن ينفيه.
فقال هذا الرجل: وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) فإنه لم يحدث بهذا الحديث إلا أبو بكرة الثقفي، وحدث به بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام بنيف وثلاثين سنة.
حسناً: إلى ماذا يريد أن يصل بهذا الكلام؟ يريد أن يقول: إن أبا بكرة الثقفي افتراه وألفه؟ أو أنه يريد أن يقول: من شرط قبول الحديث أن الرجل عند موت الرسول يحدث بكل ما سمعه.
فنقول له: إن الكلام يخرج لمقتضى، ولابد من حادثة حتى يخرج الحديث عليها، ويناسبها.
وأبو بكرة الثقفي رضي الله عنه قال هذا الحديث بسبب: ما حصل من الخلاف بين الصحابة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما.
فعندما التقى الجمعان وأوشكت الحرب أن تبدأ؛ خطر لـ طلحة والزبير بن العوام -رضي الله عنهما وهما من العشرة المبشرين بالجنة- أن يأخذا عائشة رضي الله عنها، وتقوم أمام الناس؛ لأنهم يبجلونها ويوقرونها فهي أمهم؛ هكذا ظنوا، فذهبوا إلى عائشة، وقالوا: أنت لو خرجتي سيكون هناك خير كثير، وستحقن دماء المسلمين، فرفضت عائشة كل ذلك، وهي تقرأ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:٣٣] لكنهم في الأخير غلبوها على أمرها.
وأي رجل فينا لا يسعه أن يفعل إلا ما فعلت عائشة، تصور أنك جالس في المسجد، وجاء إليك شخص يقول: هناك اثنان يتقاتلان بالسكاكين، وهما عند يرونك سوف يكفان عن القتال.
فهل ستخرج أم تقعد؟ تخرج مباشرةً، فهذا هو الذي حصل لـ عائشة رضي الله عنها، ظنت بإقناع طلحة والزبير أنها عندما تخرج ويراها المسلمون ستضع الحرب أوزارها، فخرجت معهم واستمروا بالسفر، فمروا على ماء، فإذا بكلاب تنبح، فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: هذا ماء الحوأب -بئر اسمها الحوأب-.
فقالت عائشة: ما أظنني إلا راجعة لماذا؟ قالت: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا: (أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبح عليها كلاب الحوأب) والجمل الأدبب هو جمل عائشة، والذي بسببه سميت موقعة الجمل، والأدبب أي: كثير الشعر.
فقالت: (ما أظنني إلا راجعة).
فلا زال طلحة والزبير يرغبانها في حقن دماء المسلمين، فغلباها على أمرها ومضت عائشة، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، ومضت عائشة رضي الله عنها وذهبت إلى هناك وقامت الحرب.
فعندما رأى بعض الصحابة والتابعين عائشة في صف معاوية انحازوا لصف عائشة، وكما توقع طلحة والزبير أن كثيراً من المسلمين يبجلونها ويوقرونها فسينحازون إليها، فقام عمار بن ياسر يخطب، وقد كان يقاتل في صف علي بن أبي طالب -رضي الله عن الجميع- فخطب خطبة وقال: (والله إني لأعلم أنها زوجة رسوله في الجنة، ولكن الله أراد أن يبتليكم أتطيعونه أم تطيعونها؟) وهنا أبو بكرة روى الحديث وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوماً ولوا أمرهم امرأة).
مع أن عائشة رضي الله عنها عقلها يزن بلداً، ولو حكمت دولة الآن لصارت هذه الدولة في السماء بالنسبة للموجودين، فعقلها عقل كبير، وعائشة رضي الله عنها المعلمة، لما تقرأ كلامها في الأدب أو الشعر أو في الطب تقلب كفيك عجباً! منذ أن كانت في التاسعة إلى الثامنة عشر، -تسع سنوات- في بيت النبوة تنهل من العلم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحبها ويقربها، فحظيت منه بعلم ما لم تحظ زوجاته الأخرى، وتوفي الرسول عليه الصلاة والسلام وعمرها ثماني عشرة سنة، وعاشت بعده أربعين سنة تبث العلم، ومع ذلك قام أبو بكرة الثقفي وقال هذا الحديث لأن مناسبته أتت.
مثلاً أخرج مروان بن الحكم المنبر إلى المصلى في صلاة العيد، والمفروض أن الخطيب يخطب في مصلى العيد وهو واقف بدون منبر، وكذلك قدم الخطبة قبل الصلاة، والسنة أنه يصلي ثم يخطب، فـ مراون عكس الأمر -وهذا الحديث في صحيح مسلم- فقام رجل يقول: ما هذا الذي تفعله يا مروان؟ خالفت الرسول عليه الصلاة والسلام وخالفت أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، فقال له: (ذهب ما هنالك).
فلما سمع أبو سعيد الخدري قول الرجل؛ قال: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليس وراء ذلك مثقال حبة من خردل من إيمان).
هل يمكن أن نقول: أن أبا سعيد الخدري ظل يكتم الحديث هذا في قلبه إلى أن أتى هذا الموضوع؟ لا.
لكن ليس له مقتضى، كل كلام يخرج له مقتضى، والرسول عليه الصلاة والسلام نفسه كان ينبه إذا وجد مقتضى التنبيه.
فمثلاً: نحن ما كنا نعلم أن خاتم الذهب لبسه حرام للرجال، وأنه جمرة من نار إلا لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس ذهباً.
فهل يمكن أن يأتي رجل لا يلبس ذهباً ويقول له: (يعمد أحدكم إلى الذهب فيضعه في يده) فيقول له: أين هو يا رسول الله؟! فلابد أن يكون هناك موقف، والرسول عليه الصلاة والسلام ما قال هذا الحديث إلا لما ظهر لهذا الكلام مقتضى حتى يقع الكلام موقعه.
وإذا لم يكن للكلام مقتضى فيوجد له مقتضى حتى يقوله.
كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي هو وبعض الصحابة فوجد جدياً ميتاً أسك، -أي: مقطوع الأذنين- ملقى على قارعة الطريق، فقال لهم: (أيكم يشتري هذا بدرهم -والرسول عليه الصلاة والسلام يسأل وهو يعلم أنه لا يستحق حتى فلساً- قالوا: يا رسول الله! والله لو كان حياً ما اشتريناه -لماذا؟ لأنه أسك مقطوع الأذنين- قال: أترون هذه الشاة هينة على أهلها؟ -يعني: لو كانت غالية عليهم ما رموها على قارعة الطريق- قالوا: نعم يا رسول الله.
قال: والله للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها) فأوجد رسول الله للكلام مقتضى.
فخلاصة البحث: أن كل كلام لابد أن يكون له مقتضى.
أفيعاب أبا بكرة الثقفي أن قال هذا الحديث في هذه المناسبة؟ لا.
لو لم تأتِ هذه المناسبة أو مثلها ما قال أبو بكرة هذا الحديث -والله أعلم- إلا أن يسأله سائل مثلاً، والسؤال مقتضى.