للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية توحيد الإثبات والمعرفة بالنسبة لتوحيد القصد]

فهذا التوحيد (توحيد الإثبات والمعرفة) ضروري لتوحيد القصد والإرادة، كلما عرفته أحببته، واعلم أنه لا يغيثك إلا هو، وليس لك منجى ولا ملجأ منه إلا هو أيضاً، فكلما عرفته اطمأن قلبك؛ لأن كل شر نفسي على وجه الأرض سببه اضطراب القلب وخوفه.

ما عمل الطب النفسي على وجه الأرض؟ عمل الطبيب النفسي أن يطمئن قلب المريض، ويعيد الثقة إليه، ويبين له أنه إنسان يحظى باحترام الآخرين وتقديرهم، فعمل الطب النفسي كله لأجل طمأنة القلب من ناحية المستقبل، فالطب النفسي كله وقف على عتبة آية من كتاب الله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].

ونحن نعلم أن المحب مولع بذكر من يحب، ولذلك شرع النبي صلى الله عليه وسلم لنا أذكار الصباح والمساء وغيرها من الأذكار الموفقة؛ حتى تكون ذاكراً لربك في كل وقت، فما بال الناس لا يذكرون الله في الصباح ولا المساء، ولا يسبحونه وهم يتفكرون في مظاهر الكون؟! ولا يحبونه.

ولو أحبوه لشغفوا بذكره رغماً عنهم.

أحياناً الإنسان وهو نائم يهتف باسم من يحب، وإذا ابتلي بحب إنسان يراه كثيراً في المنام، واسألوا المحبين، يتمثل له المحب في اليقظة، ومن شدة ولعه يصطحبه في المنام أيضاً، والشيطان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الشيطان ذئب الإنسان)، لا يترك المرء لا في اليقظة ولا في المنام، فيجيئه في المنام بالكوابيس، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (الرؤى ثلاثة) قسم منها تهاويل الشيطان، وحتى تردع هذا الشيطان الذي جاءك في المنام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال أحدكم يتحدث بتلاعب الشيطان به).

شخص يقوم من النوم فيقول لك: يا أخي! البارحة طوال الليل أرى في منامي أني أطير والعفاريت تطير ورائي، إذ نزلت تنزل ورائي، وإذا طلعت تطلع ورائي، وأحياناً يرى نفسه يتردى من قمة جبل، فيستيقظ من منامه فجأة فيجد نفسه على السرير، فيقول: الحمد لله، ما زلت أعيش، أو أن هذا الذي أراه ليس حقيقة.

يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لِمَ يتحدث أحدكم بتلاعب الشيطان به؟)، عندما يتحدث الإنسان بهذه الرؤى ينتفخ الشيطان ويقول: بقوتي صرعته، أما إذا تفل على يساره ثلاثاً فإن الرؤى لا تضره، والشيطان يتصاغر ويتصاغر حتى يكون كالذباب والذر من الحقارة، فهذا الشيطان لا يدعك حتى في المنام؛ لأنك أنت فريسته وغاية مطلوبه.

والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا الذكر؛ لأنه أولاً يشفي غليل القلب ويريح أعصابه، هذه فائدة الذكر الأولى.

الفائدة الثانية: أنه يحصنك من الشيطان، كما رواه الترمذي وأحمد وابن حبان والحاكم من حديث الحارث الأشعري الذي أوله: (إن الله تبارك وتعالى أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات، وأمره أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن) الكلمة الخامسة في هذا الحديث، (قال يحيى عليه السلام: وآمركم بذكر الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره، فاحترز في حصن حصين، وإن العبد يحرز نفسه من الشيطان بذكر الله).

يعني هذه فائدة الذكر، حتى شرع الله لنا أن نذكره في أشد المواقف وهو لقاء العدو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:٤٥]، أول ما تذكر أنك مع الملك وفي معية الملك يستمد قلبك قوة، وفي حديث عياض بن حمار الذي ذكرناه آنفاً، قال الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (وأرسل جيشاً نرسل معك خمسة) يعني من الملائكة.