[تحذير حذيفة من البدع وأهلها]
وقد جاء في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، لما قال: (كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، قلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير -الذي هو الإسلام- فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم.
قال: فهل بعد هذا الشر من خير؟) فقوله: (فهل بعد هذا الشر من خير؟) أي: بعد الخير الأول الذي هو الإسلام، (والشر الأول): الذي هو بعد الإسلام مباشرة (ثم خير فيه دخن) إذاً: خير محض لا دخن فيه، ولا شر فيه (١٠٠%) الذي هو الخير الأول في الحديث.
وقوله: (إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير -الذي هو الإسلام، فهذا الخير (١٠٠%) - فهل بعد هذا الخير - (١٠٠%) - من شر؟ قال: نعم -الشر ضعيف قليل؛ لأن الخير كثير، ولذلك تجاوزه حذيفة ولم يسأل عنه- قال: فهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم -فهذا الخير الثاني، وقد وصفه النبي عليه الصلاة والسلام، فقال:- خير، لكن فيه دخن -الدخن: ما فيه غبار وضباب، وغبش-.
قال: وما دخنه؟ قال: قوم يهتدون بغير هديي، ويستنون بغير سنتي، تعرف منهم وتنكر، قال: فهل بعد هذا الخير -الثاني الذي فيه دخن- من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها) إذاً: بوابة جهنم هي البدع، هذا ترتيب الحديث الخطير (بوابة النار): ولوج البدع (قوم يهتدون بغير هديي، ويستنون بغير سنتي، تعرف منهم وتنكر) فلا يزال هذا يستفحل مع غياب وموت العلماء وظهور البدع، حتى تأتي المرحلة الخطيرة (دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها).
فقال: (صفهم لنا يا رسول الله؟ قال: قوم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، (من جلدتنا): أي: شكلهم مثلنا، ويتكلمون بألسنتنا.
حسناً ما هو النجاة؟ قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم.
قال: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام -مثل هذا الزمان- قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت).
قوله: (ولو أن تعض على أصل شجرة) بعض الناس يقول لك: علينا أن نعتزل؛ لأنه قال: (اعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة)، نقول: هذا صحيح، لكن الشجر التي ستعض عليها هي أهل العلم، وأن تتعلق بأهداب عالم، فإن لم تجد عالماً فاعتزل، فإن العزلة مع وجود أهل العلم شر للإنسان إذا كان جاهلاً.
إذاً: هذا فيه تلميحة لطيفة لمعنى قوله عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي)، ولذلك قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ)، وهنا قال: (ولو أن تعض على أصل شجرة)، وأنت تعلم أن الذي يستخدم أسنانه فهذا معناه أن يديه خلتا به، وأن ساعده ضعف، وأنه يكاد يسقط، ما بقي إلا أن يستخدم أسنانه؛ لأن ساعده ضعف أن يحمله، وأنت ترى هذا إذا تعلق إنسان وكاد أن يسقط فإنه يتعلق بأي شيء حتى لو تعلق بأسنانه، فكلمة (أن يعض على أصل شجرة) هذا هو النجاة، وهذا الأمل الأخير، أن يستخدم الإنسان أسنانه حتى يثبت مكانه.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يربط على قلوبنا حتى نلقاه.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.
رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.