وهنا تعبير لطيف عن المرأة الأخرى، فلم تقل: وغيظ ضرتها، بل لفظ الجارة لفظ أجمل، وقد كان محمد بن سيرين يقول:(إنها ليست بضرة، ولا تضر ولا تنفع)، وكان يكره أن تسمى المرأة الثانية بالضُرة، إنما يقول: جارة، وهذا الأدب استخدمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث ابن عباس الطويل في البخاري ومسلم، يقول ابن عباس:(في أوله يا أمير المؤمنين! من المرأتان اللتان قال الله فيهما {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}[التحريم:٤]؟ فقال: واعجباً لك يـ ابن عباس! إنهما عائشة وحفصة)، وساق حديثاً طويلاً، وفيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:(فراجعتني امرأتي ذات يوم فصخبت عليّ، وفي رواية خارج البخاري قال: (فتناولت قضيباً فضربتها، فقالت: أوفي هذا أنت يـ ابن الخطاب! لم تنكر علي أن أراجعك وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم يهجرنه الليل حتى الصبح؟!).
إذا كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الذين هن القدوة يهجرنه من الليل حتى الصبح، أفتنكر عليَّ أنني أكلمك وأراجعك؟! فقال:(أوتفعل حفصة ذلك؟) لم يقل: أوتفعل عائشة؟، أوتفعل أم سلمة؟ لأن الأب يسأل أولاً عن ابنته، ثم قال:(خابت وخسرت)، وذهب إلى حفصة فقال لها -من ضمن الكلام-: (لا يغرنك أن كانت جارتك -التي هي عائشة - أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم)، يعني لا تقلديها؛ لأنها لها دلال، وهو يحترمها، فيمكن أن يسامحها، فأنت تحاولين أن تقلديها وليس لك عنده ما لـ عائشة، فيجب أن تعرفي قدرك ولا تقلدي عائشة، فقال:(لا يغرنك أن كانت جارتك)، ولم يقل: ضرتك؛ لأنه حتى لفظ الضرة لفظ قبيح؛ لأنه مشتق من الضر، بخلاف الجار، فإنه مشتق من الجوار، والجوار له حرمه، ونحو ذلك.