[لزوم تقليص البدع ومقاومة أهلها]
أيها الإخوة الكرام! لا بد من تقليص البدعة ومقاومة أهلها، لأن للبدعة أثراً سيئاً جداً في تأسيس محنة المسلمين، وما سقوط بغداد عنكم ببعيد، تعرفون أن بغداد سقطت بسبب ابن العلقمي الرجل الرافضي، فهو الذي أغرى ملك التتار بدخول بغداد، وأوهم الخليفة العباسي أن الرجل لا يريد بغداد، وإنما يريد أن يتزوج ابنته، وجعل يفتل له الحبل على الغارب -كما يقول الشوكاني - حتى دعا ملك التتار حاكم بغداد والحاشية جميعاً لكي يكتبوا الكتاب ويعقدوا العقد، فاجتهدوا في جلب كل مَن له شوكة وسلطان بدعوى حضور العقد، وعندما ذهبوا إلى هناك قتلهم ملك التتار جميعاً عن بكرة أبيهم، ودخلوا بغداد واستباحوها وقتلوا ألوفاً مؤلفة، وعندما تقرأ حوادث بغداد في تاريخ ابن خلكان تجد أن ابن خلكان يقول: يا ليتني كنت نسياً منسياً ولم أدوِّن هذا الخبر! لأنه ليس هناك محنةٌ أبداً تشبه هذه المحنة العظيمة التي كان بسببها ابن العلقمي الرافضي.
فلذلك أهل البدع لا يستقرون في مكان حتى يكون أول من يحاربهم أهل السنة.
أيها الإخوة الكرام! معرفة السنة واتباع النبي عليه الصلاة والسلام هي أول شوكة في ظهر المبتدعة، ونحن حياتنا كلها بدع، البدع في الأصول والعقائد، والبدع في الفروع، وتجد البدع في العبادات، ففي كثير من مساجد المسلمين في التراويح يقرءون بعد كل ركعتين: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] ثلاث مرات، وهناك مساجد أخرى، يقول لك: بعد الركعتين أبو بكر، بعد الأربع الركعات: عمر، بعد الست ركعات عثمان، بعد الثمان ركعات: علي، المهم أنها جاءت بالضبط، هكذا فوزعوا الأربعة الخلفاء على الثمان ركعات.
فعندما تقول: يا جماعة! ما هذا الذي تفعلونه؟ يقال لك: نحن نقرأ القرآن و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] ثلث القرآن.
فإذا قلت: هذا بدعة.
يقال لك: قراءة القرآن بدعة؟! أنا لا أقول لك: إن قراءة القرآن بدعة، إنما قراءة القرآن في هذا المكان هو البدعة.
ولله در عبد الله بن عمر عندما عطس رجلٌ فقال: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، فقال له عبد الله بن عمر: وأنا أقول: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله -أنا أيضاً أصلي مثلك- لكن ما هكذا عَلَّمنا رسول الله، إنما علمنا أن نقول: الحمد لله، أو الحمد لله على كل حال.
فانظر إلى فطنة عبد الله بن عمر! حتى لا يقول الرجل: ابن عمر هذا ينكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم! قال: أنا أقول مثلك: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ولكن ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأنكر عليه.
فأنت تنظر إلى هذا تستغرب.
ومرةً كنت ألقي درساً في كتاب رياض الصالحين، وكان يحضر معنا ابن أكبر رجل في البلد، وكان أبوه يعده للخلافة في نشر البدع، المهم فجلس معنا نحو ثلاثة أشهر، ومع سماعه للأحاديث والأصول وللكلام النبوي يبدو أن مزاجه اعتدل، فذهب يجادل أباه في بعض المسائل، وكنا قبل رمضان بقليل، فهو يحضر معنا للتراويح وإذا هو يقول لأبيه في المسجد: لا داعي لـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] لأن هذا بدعة، فيقول: يا بني! من أين جئت بهذا الكلام؟ قال: هناك أدلة تدل على هذا.
وجاء الرجل إلى المسجد وبعد المحاضرة، قام وقال: أنتم تكرهون النبي صلى الله عليه وسلم، وأنتم تكرهون القرآن! - يا والد! ما لك؟! - فقال: كيف تقول: إن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] بدعة؟ - أنا قلت: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] بدعة؟ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] توحيد.
- فلماذا قلتَ لي أنها بدعة.
- قلتُ له: أنا قلت: قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] بين التراويح بدعة.
- قال لي: يعني: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] التي هي ثلث القرآن نعتبرها من البدع؟ - قلت له: لا.
أنا أسألك سؤالاً، ثم أسألك سؤالاً -وأي رجل مبتدع أسأله هذين السؤالين-: هل النبي صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من الوحي؟ - قال: لا.
- السؤال الثاني: هل النبي صلى الله عليه وسلم قصر في البلاغ؟ - قال: لا.
- السؤال الثالث: هل ما تفعله فَعَلَه النبي صلى الله عليه وسلم؟ فهذا يجيب عليه بجوابين: إما أن يقول: لا.
وهذا كافٍ في الرد عليه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام ما ترك شيئاً إطلاقاً من الخير إلا دلنا عليه: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:٣٢] إذاً: كل الذي يفعله ما لم يفعله النبي عليه الصلاة والسلام كأنما قال: أنا أفعل شراً.
وإما أن يقول: نعم.
فتسأله الدليل، ولا دليل.
- قلت: هل النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: {قل هو الله أحد} [الإخلاص:١] بين التراويح؟ - قال: لا.
اختصر عليَّ المسافة، فلو قال: نعم.
لما عرفت أن أعمل معه شيئاً أبداً، وقد يكون قد ضيع عليَّ الأسئلة التي أنا عملتها، ولكنه قال: لا.
- قلت له: طيب! إذاً: أنت تفعل شيئاً ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم.
فالرجل وكأنه لم يأخذ باله من الإجابة، فلما قلتُ هذا الكلام سكت طويلاً ثم قال: يعني: أنا منذ ستين سنة وأنا مغفل؟! قلت: سبحان الله! وماذا يضر أن يظل المرء أكثر من ستين سنة مغفلاً غافلاً عن الحق ثم يهديه الله عز وجل؟! إن ابن الجوزي -وهو العالم في علم الحديث- ذكر حديثاً موضوعاً ثم قال: ظللتُ أعمل بهذا الحديث ثلاثين سنة، لإحسان ظني بالرواة، فلما نضج في علم الحديث، وبدأ يسلك مسالك النقد اكتشف أنه ظل ثلاثين سنة يعمل بحديث موضوع.