للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معاملته صلى الله عليه وسلم مع أعدائه]

الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن، والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وأيضاً روى أبو داود والنسائي وغيرهما، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: (لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة أمَّن الناس جميعاً إلا أربعة رجالٍ وامرأتين، قال: اقتلوهم ولو وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيط بن قبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح.

فأما عبد الله بن خطل فأدركه الناس متعلقاً بأستار الكعبة فقتلوه، وأما مقيط بن قبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه، وأما عكرمة بن أبي جهل ففر إلى البحر وركب سفينة، فهاجت ريحٌ عاصف، فقال صاحب السفينة: أيها الناس! إنه لن تنفعكم آلهتكم هنا، أخلصوا.

فقال عكرمة: لإن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص فلا ينجيني في البر غيره، لله عليَّ إن أنجاني لآتين محمداً صلى الله عليه وسلم، فلأجدنه عفواً كريماً.

فجاء عكرمة فبسط يده للنبي صلى الله وسلم، وأسلم وقبل منه، فلما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيعة العامة، وكان عبد الله بن سعد بن أبي السرح قد اختبأ عند عثمان بن عفان رضي الله عنه، فلما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى البيعة العامة جاء عثمان بـ عبد الله، -وكما تعلمون كان لـ عثمان حظوة عند النبي عليه الصلاة والسلام، وكان يحبه ويقربه- ولما جاء عثمان بـ عبد الله قال: يا رسول الله! بايع عبد الله.

فرفع إليه بصره وخفضه وسكت، قال: يا رسول الله! بايع عبد الله.

فسكت، قال يا رسول الله! بايع عبد الله، فبايعه بعد الثالثة.

ثم التفت إلى أصحابه وقال: أليس منكم رجلٌ رشيد، إذ رآني كففت يدي عن بيعة هذا، أن يقوم إليه فيضرب عنقه؟! قالوا: يا رسول الله! وما أعلمنا بما في نفسك، هلا أومأت إلينا بعينيك -غمزت لنا غمزة-؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إنه لا ينبغي أن يكون لنبيٍ خائنةٌ الأعين).

انظر إلى الوفاء حتى مع الأعداء، أمثله صلى الله عليه وسلم لا يحب حب اختيار؟! أمثله لا يوالى؟! أمثله لا يستعذب المرء العذاب في سبيل نصر دينه؟! استحضر هذا يمدك الله عز وجل بقوةٍ على قوة، لا يغلبك أحد، إننا المستضعفون الآن في الأرض لا شك في ذلك، لكننا على يقين أننا سنغلِب، هذه المسألة مسألة إيمانية محضة، لا يصلح فيها الحساب؛ لأن معنا الملك، وانظر إلى كل طائفةٍ من طوائف المؤمنين قبل ذلك، تراها قلة، لكن مكَّن الله لها.