[هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر إلى المدينة]
تقول عائشة رضي الله عنها:(فلما رآه قال: بأبي هو وأمي! ما جاء الساعة إلا لأمر، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قال: أخرج من في الدار -يريد أن يقول له شيئاً هاماً- فقال: يا رسول الله! إنما هم بعض ولدك قال: فإن الله قد أذن لي في الهجرة.
قالت عائشة رضي الله عنها: فبكى أبو بكر، وما كنت أظن أن أحداً يبكي من الفرح.
فكان أبو بكر رضي الله عنه قد حبس راحلتين له وللنبي عليه الصلاة والسلام، ليركبا عليهما في الهجرة، فقال أبو بكر: يا رسول الله! هذه إحدى راحلتاي حبستها لك.
فقال صلى الله عليه وسلم: بالثمن)، أي: أدفع ثمنها.
وهنا لفتة: فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال كما في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد: (إن عبداً خيره الله عز وجل بين زهرة الحياة الدنيا وبين ما عنده، فأختار ما عنده، فبكى أبو بكر وقال: نفديك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: إن أمن الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر، ولو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، لكن صاحبكم خليل الله)، فمعلوم أن أبا بكر واسى النبي صلى الله عليه وسلم بماله، فكم أعطاه من ماله! فلماذا أبى أن يأخذ منه الراحلة هنا إلا بالثمن؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كره أن يدنس العمل الذي عمله لله بشيء من الدنيا، فلا تدنس إخلاصك بشيء من الدنيا، أخذ الراحلة ليركب عليها وأعطاه الثمن؛ ليكون ذلك كله لله عز وجل، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم علاجاً للاستضعاف، وذهب فأبدله الله عز وجل بأناس آخرين غير الذين قاوموه وحاربوه وأخرجوه، واجتهدوا في أن يوصلوا إليه الأذى.