إن أعظم مصيبة أصيب بها المسلمون في وجود النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن مات: هي مصيبة الإفك، هذه الحادثة التي هي أعظم المصائب التي أصابت ديار المسلمين، والتي نزل في شأنها مطلع سورة النور، وقد قصتها علينا صاحبة القصة عائشة رضي الله عنها، كما رواه البخاري ومسلم، وهي كلها محن، ومع ذلك قال الله عز وجل لنا:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[النور:١١].
وعندما نسوق القصة سيُعلم كيف يخرج الخير من الشر، وما هو ضابطه قالت عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرجت معه، فصار السهم على عائشة رضي الله عنها فخرجت في تلك الغزوة -وهي غزوة المريسيع، أو غزوة بني المصطلق- فلما قضوا غزوتهم ورجعوا قافلين إلى المدينة، أرادت عائشة رضي الله عنها أن تقضي حاجتها، وكانت تركب الجمل داخل الهودج -والهودج: هو الغرفة التي كانت تزف فيه العروس قديماً أيام الحياء، فقد كانت توضع المرأة في هذا الصندوق الخشبي، ويوضع على ظهر بعير وتزف، فهذا هو الهودج-.
فأرادت السيدة عائشة وهي راكبة في هذا الهودج، أن تقضي حاجتها، فأمرت الذين يرحلون بالبعير أن يسرعوا أمام الجيش، لتقضي حاجتها، حتى إذا جاء الجيش مشوا جميعاً، فاستحثوا الذين يرحلون البعير وتقدمت، وأنزلوا هذا الهودج على الأرض وأعطوها أقفيتهم حتى تنزل، فنزلت وأوغلت في الصحراء، حتى قضت حاجتها ورجعت، وبينما هي راجعة تحسست صدرها فإذا عقد لها قد انفرط، فرجعت من نفسها؛ لأنها كانت جارية حديثة السن، ليس لها خبرة، وكان من المفترض أن تقول للذين يرحلون بها: لقد انقطع عقدي، فانتظروني.
لكن لحداثة سنها تصرفت من عند نفسها.
فرجعت إلى مكان قضاء حاجتها تبحث عن عقدها، وبعد مدة قدرها الرجال الذين يصحبونها بمدة قضاء الحاجة فظنوا أنها قد جاءت ودخلت في الهودج، فحملوا الهودج يظنونها فيه، ووضعوه على البعير واستحثوه فنفر، ومضوا.