للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وضع قواعد وأصول فاسدة لرد النصوص وتجهيل العاملين بها]

نحن أمام مدرسة لتجهيل النص، وتجهيل العاملين به، ومحاولة الخلاص من النص، حتى النص الصريح يبتكرون له قواعد ينسفونه بها، وهي قواعد أهل البدع قديماً، فأهل البدع لما وجدوا ضربات أهل السنة قوية أرادوا أن يتترسوا فماذا فعلوا؟ جعلوا قواعد، والقواعد هذا مثل متاريس الحرب، فأول ما يأتي أهل السنة يردون عليهم يختبئون فيها، والقواعد هذه ألفوها من عند أنفسهم، كلما تقول له حديثاً يقول لك: هذا الحديث آحاد ماذا يعني (آحاد)؟ لماذا ترده؟ يقول لك: أصله آحاد، والآحاد معناه: ما رواه الواحد والاثنين والثلاثة، والواحد من الممكن أن يغلط.

مثلاً: أبو بكر الصديق معصوم؟ -لا.

ليس بمعصوم.

يمكن أن يخطئ؟ نعم.

يمكن أن يخطئ.

إذاً: ما الذي يدلك على أنه لم يخطئ في هذا الحديث؟ فيخاف الإنسان قليل العلم، ويحس أن المسألة عويصة، لكن رد عليه بنفس أسلوبه فقل له: حسناً: ما الدليل على أنه أخطأ؟ لو أننا مشينا بهذه الصورة التي هم يمشون بها سنغلق أبواب الشهادات، الرجل الذي يأتي يشهد أمام القاضي: قل (والله العظيم أقول الحق)، فيقول: والله العظيم أقول الحق.

لمن هذا المال؟ يقول: لفلان.

إذاً: خذه يا فلان.

فأعطى المال بحلف الرجل لفلان.

ولو أن الرجل الآخر أتى بشاهد مثله فسوف يقول له نفس الكلام، وبهذا تضيع الحقوق! إذاً: هناك فرق ما بين الشيء هل وقع حقاً أم هل يجوز أن يقع عقلاً؟ هناك فرق بين المسألتين، مثلاً: هل: الله عز وجل قادر على أن يخلق رجل بمائة ألف رأس أو غير قادر؟ قادر، ويخلق في كل رأس مائة ألف فم؟ قادر، ويخلق في كل فم مائة ألف لسان؟ قادر، ويخلق لكل لسان مائة ألف لغة؟ قادر، لكن هل وقع؟ لا.

إذاً: هناك فرق بين الجواز العقلي والوقوع الفعلي، ولا نخلط بينهما، فالعقل من الممكن أن يذهب إلى أبعد ما تتخيله مما ليس له ظل على الواقع.

فنحن نقول: الأصل أن هذا الرجل -طالما أن العالم ثَبْتٌ وجليل- فإنه لا يخطئ، إلا إذا أقمت الدليل على أنه أخطأ، والأصل أن الرجل -الذي وقف أمام القاضي ليشهد على قضية- أنه عدل إلى أن يأتي رجل يجرحه، ويقول: هذا الرجل مجروح؛ لأنه يشرب الخمر، أو لأنه ساقط المروءة، أو أنه عاق لوالديه أو نحو ذلك.

فإذا لم يأتنا جارح فالأصل فيه العدالة، وهذا ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتاب القضاء الذي أرسله إلى أبي موسى الأشعري فقال: (والمسلمون بعضهم عدول على بعض إلا مجلود في حد، أو مجرب عليه شهادة زور).

إذاً: الأصل في المسلمين العدالة بالنسبة للشهادة.

إذاً: أنت تمضي شهادته، مع احتمال أن يخطئ.

كيف وهذا يجوز على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء رجلان يختصمان على حق، كل يدعي أن الحق له، فقال: (إنما أنا بشر، وأقضي بينكم على نحو ما أسمع) يعني: قد يكون أحدكم له لسان قوي يقنعني أنه صاحب الحق، وصاحب الحق سفيه أو ضعيف، أو لا يستطيع أن يفصح، فحقه يذهب، ومع ذلك أنا عندما أعطي الحق لغير صاحبه؛ فأنا لم أخطئ، قال: (إنما أنا بشر -وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم- أقضي بينكم على نحو ما أسمع، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من الآخر، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فأخذه، فإنما أقطع له به قطعة من النار.

فبكى الرجلان، وقال كلاهما: حقي لأخي يا رسول الله).

فأنت لما ترى أن الرسول عليه الصلاة والسلام من الممكن أن يقضي للمبطل لأنه ألحن بحجته؛ إذاً: نحن أولى وأولى، ولم يقل له الرسول عليه الصلاة والسلام: إن لسانك فصيح فمن المحتمل أن تكذب، ولذلك أنا لا أعطيك الحق؛ لأنه سيقول نفس الكلمة للرجل الآخر.

وضاعت الحقوق.

إذاً: هناك فرق ما بين الجواز العقلي وبين الوقوع الفعلي، ونحن الآن نناقش الوقوع الفعلي.

وأنت تقول: إن الصحابي يمكن أن يغلط، ف

السؤال

هل عندك دليل أنه أخطأ، إذا لم يكن عندك دليل أنه أخطأ فلابد من إمضاء قوله؛ لأن هذا الكلام يسري على واضع هذه القاعدة نفسه، كلما يقول شيئاً؛ أقول له: أليس من الجائز أنك أخطأت في وضع القاعدة؟ إذاً: أنت معصوم؟ فيقول: لا.

فأقول: أليس من الجائز أنك أخطأت في وضع القاعدة؟ فيقول: من الجائز أن أخطئ.

أقول: وما الذي يؤمنني أنك لم تخطئ في وضع هذه القاعدة؟ إذاً: نحن استخدمنا هذه القاعدة ولم يبق قول لقائل في الدنيا.

فأهل البدع يقومون يوضع قواعد من عند أنفسهم يتقون بها ضربات وهجوم أهل السنة.

فيأتي -مثلاً- يقول لك: أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقيدة.

لماذا؟! يقول لك: لأن العقيدة لابد من اليقين فيها.

الله عز وجل لا يعبد بشك أو باحتمال.

إذاً: لابد أن نقبل إما نص قرآني وإما حديث متواتر عن الرسول عليه الصلاة والسلام.

حسناً نحن جئناكم بالقرآن الذي هو قطعي الثبوت ولم يسلم من تأويلكم، وقد نقله الكافة عن الكافة، دعونا من السنة الآن وننظر في القرآن المنزل، ماذا فعلتم بالقرآن؟ أولتم القرآن، ما يؤمنني أنني إذا جئتك بحديث متواتر فعلت فيه مثل ما فعلت في القرآن، وأولت اللفظ بذاك التأويل الباطل: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠] يقول لك: لا.

ربنا سبحانه وتعالى ليس له يد؛ إذ لو كان له يد إذن: يشبه المخلوقين، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وما خطر ببالك فالله على خلاف ذلك.

حسناً قول الله تعالى:: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:٤٨] يقول لك: لا.

الله ليس له عين؛ إذ لو كان له عين إذن شبهناه بخلقه.

كذلك حديث النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام: (يضع الجبار قدمه في النار) أو (إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) يقول لك: لا.

ليس له إصبع وليس له قدم لماذا؟ يقول لك: لأننا لو أثبتنا له القدم لشبهناه بالخلق.

نقول: لماذا تقيسون الشاهد على الغائب؟ قياس الشاهد على الغائب من أبطل الباطل؛ لأنه يشترط في القياس التماثل، ولابد أن يكون هناك نظير ينطبق على نظير، لكن الضد على الضد لا يكون قياساً، كقياس الليل على النهار قياس باطل، وقياس النار على الماء قياس باطل، كذلك أنتم تقيسون الشاهد على الغائب لماذا؟! حسناً: خذوا هذه الرمية: الله عز وجل حيِّ؟ يقولون لك: نعم.

وأنا حيِّ؟ يقولون لك: نعم: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥]، هذه حياة الله عز وجل، {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:٣٠] هذه حياتنا نحن كلنا.

إذاً: أنت حيِّ والله حيِّ فكيف؟! يقولون لك: لا.

حياته غير حياتنا؛ لأنه لا يقدر أن يقول: إن الله ليس بحيِّ.

أليست هذه مثل تلك؟ له يد كما يليق بجلاله كما أن له حياة تليق بجلاله، حياة كاملة، ونحن حياتنا تليق بقدرنا، كذلك أيدينا تليق بقدرنا، كذلك سمعه سبحانه يليق بقدره، كذلك سمعنا يليق بقدرنا وهكذا خذ جميع الصفات، فإذا قرأت قوله تبارك وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، هذا نفي، {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] إثبات، فنفى المثلية وأثبت لنفسه السمع والبصر.

إذاً: نفهم من الآية: أن كل الصفات الثابتة لله عز وجل تحت قوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:١١]، فله يد {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] وله إصبع {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] وهكذا.

فأصحاب البدع إذا أرادوا أن يبتدعوا بدعة؛ وضعوا لها قواعد وأصولاً ليتقون بها أدلة أهل السنة.