إن عجزت أن تخرج من بلدك، وعجزت أن تفارق بالبدن، ولم تستطع أن تحقق الهجرة، فما بقي إلا الهجر.
واعلم أن أصل الهجر بين المسلمين حرام، وقد صح عن عائشة رضي الله عنها وأنس وابن عمر وأبي هريرة وابن مسعود وجماعة من الصحابة يزيد عددهم عن عشرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المسلمين أن يتهاجرا فوق ثلاثة أيام، فقال:(لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام)، وهذا الهجر محرم بإجماع العلماء.
والهجر المحرم هو الهجر لأجل الدنيا، أن تهجر أخاك للدنيا المحضة، لا لسبب شرعي، فإن هذا لا يحل ولا يجوز.
وقد تهاجر اثنان فكتب أحدهما إلى الآخر: يا سيدي عندك لي مظلمة فاستفت فيها ابن أبي خيثمه لحديث يرويه عن شيخه قال روى الضحاك عن عكرمه عن ابن عباس عن المصطفى نبينا المبعوث بالمرحمه إن صدود الإلف عن إلفه فوق ثلاث ربنا حرمه فعاده ووصل رحمه.
وهكذا كان أهل العلم، ففي الدنيا لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث على الإطلاق.
إن التباغض الحادث بين المؤمنين لا يقطع أخوة الإيمان قال تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:٩ - ١٠]، هكذا ذكرت الأخوة بعد البغضاء والشحناء، فكذلك أخوك المسلم ينبغي أن تواليه وإن كان بينك وبينه مظلمة، ولا يحل لك أن توالي الكافر وإن أحسن إليك، فإذا أساء إليك أخوك فينبغي أن تواليه؛ لأن أخوة الإيمان لا تنقطع بالمشاحنات، ولذلك مع هذا التهاجر والاقتتال وصفهم الله عز وجل بالإيمان {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}[الحجرات:٩]، فكل إنسان نواليه على قدر ما فيه من المحبة لله ورسوله، ونعاديه على قدر ما فيه من الذنب والمعصية والبدع، وأصل الهجر بين المسلمين حرام.
وينقطع الهجر بالسلام والكلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث:(يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)، لكن إذا كان الهجر لسبب شرعي فهو جائز إلى آخر العمر، فيجوز لك أن تقطعه إلى آخر العمر، لكن هذا أيضاً له ضوابط.