للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على تكفير الخوارج للصحابة (مسألة التحكيم)]

إن أول من ابتدع حرب تحطيم الرموز في هذه الأمة هم الخوارج، فهم الذين كفروا الصحابة وضللوهم، وقالوا: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:٥٧]، فقال علي بن أبي طالب: كلمة حق يراد بها باطل.

إن أولى الناس بإقامة حكم الله عز وجل هم الذين شاهدوا نزول القرآن، وهم الذين قاتلوا على تنزيله وتأويله، وهم الذين فارقوا الأهل والأولاد والأموال في سبيله، هؤلاء هم أولى الناس بالحفاظ على القرآن وفهم القرآن، أما قولهم: إن الحكم إلا لله، فهذه دعوى كاذبة ظاهرها حق وباطنها الضلال المبين.

لا حياة للناس بلا رأس، كالجسد لا يحيا بلا رأس، ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله! حيث قال: ستون سنة بإمام جائر أفضل من سنة بلا إمام، أي: لو أن إماماً ظالما جائراً فاجراً حكم الناس ستين سنة، كان أفضل من أن يظل الناس سنة واحدة بلا إمام؛ لأن هذا الرجل وإن كان فيه فساد، لكنه في النهاية رأس واحد، وسيمضي طغيانه وبغيه على الناس، وستستكين الجماهير الغفيرة له، ويخشون بأسه وسطوته وسلطانه، فلا يظلم بعضهم بعضاً لئلا يدخلوا تحت قانونه، إذا بقي الناس بلا رأس كل واحد رأساً.

إلى هذا الحد يكون الرأس ضرورة، وإذا غاب هذا الرأس غاب الجسد، وكما في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لا يقبض العلم ينتزعه انتزاعاً من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالماً -وفي الرواية الأخرى: حتى إذا لم يبقَ عالمٌ- اتخذ الناس رءوساً جهالاً فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا).