[محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم له]
قال عمر: (وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لغزونا).
وكان ملك من ملوك غسان يهدد المسلمين، فكان المسلمون على أهبة استعدادهم لمقاتلة هذا الرجل إذا فكر أن يغزو المدينة.
ففي ذات يوم كانت النوبة للأنصار، فجاء إلى دار عمر بن الخطاب وطرق الباب طرقاً شديداً على غير العادة، فخرج له بعض من في البيت قال: أثم هو؟ -أي: هل عمر موجود؟ ففزع عمر وخرج يجرجر إزاره؛ لأنه ربما كان نائماً.
فقال: أجاء غسان؟ قال: لا، بل ما هو أهول من ذلك وأعظم: طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه.
فـ عمر قال: قد كنت أعلم أن ذلك يوشك أن يكون؛ لماذا؟ لأن النشوز هذه نهايته، وكل شيء له نهاية، كما قال الله عز وجل: {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام:٦٧] وعندما يستقر فسوف تعلمون.
فجمع عمر رضي الله عنه ثيابه ونزل إلى حفصة فوجدها تبكي، قال لها: ما يبكيك؟! أولم أكن حذرتك؟! أطلقكن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: لا أدري.
فذهب عمر بن الخطاب إلى المسجد، فلما دخل المسجد وجد رهطاً عند المنبر يبكي بعضهم.
فانظر إلى الصحابة رضي الله عنهم: لو أن واحداً منهم طلقت ابنته فلن يذرف عليها دمعة، لأنه من العيب أن يبكي الرجل على طلاق ابنته عند العرب، فلقد كانوا يدفنوهن وهن أحياء؛ لأنهم كانوا يعتبروهن عاراً عليهم، فهل سيغضب أو سيبكي لأن ابنته طلقت؟! ولكنهم بكوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه وتكدر خاطره.
وهذا الحب الكبير للنبي عليه الصلاة والسلام هو الفارق ما بين ذلك الجيل الفريد وبين كل الأجيال التي أتت بعد ذلك.
قال عمر: فذهبت إلى المشربة، وكان النبي عليه الصلاة والسلام جالساً فيها -والمشربة: الغرفة- وقد أمر رباحاً -الغلام- أن يحفظ الباب.
وفي هذا دليل على جواز أن يتخذ الحاكم حاجباً عند الحاجة، أي: للحراسة، وهؤلاء جائز استخدامهم، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت: (لأكونن مع النبي صلى الله عليه وسلم سائر يومي.
وخرج فإذا النبي صلى الله عليه وسلم دخل بستاناً لبعض الأنصار، وقال له: احفظ الباب.
فجاء أبو بكر، فقال أبو موسى: على رسلك، ودخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبو بكر بالباب؟ قال: ائذن له وبشره بالجنة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً على بئر وقد كشف عن ساقيه ودلى رجليه في البئر، فجاء أبو بكر فجلس عن يمينه وكشف عن ساقيه ودلى رجليه في البئر، قال أبو موسى: فقلت: إن يرد الله بفلان خيراً يأت به -يريد أخاه وكان قد سبقه في الوضوء وسيأتي وراءه.
قال: فجاء عمر، قلت: على رسلك، فقلت لرسول الله: عمر بالباب؟ فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فدخل، فجلس بجانب أبي بكر ودلى رجليه في البئر، قال: ثم جاء عثمان، فقلت: على رسلك، فقلت لرسول الله: عثمان بالباب.
فقال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فقال عثمان: الله المستعان! ودخل عثمان فوجد أن ناحية البئر امتلأت، فجلس في مقابلهم، قال سعيد بن المسيب رحمه الله: فأولتها قبورهم.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات دفن بجانبه أبو بكر، ثم عمر، ودفن عثمان في البقيع).
فهذا فيه دلالة على جواز استخدام الحاجب أيضاً.
ولكن إذا لم تكن هناك ضرورة إلى ذلك، فالأولى عدم اتخاذ الحاجب، كما في الحديث الذي رواه البخاري وغيره أيضاً: (أن النبي عليه الصلاة والسلام مر على امرأة تبكي عند قبر جديد، فقال: يا أمة الله! اتقي الله واصبري.
فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي.
قالت: ثم علمت أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتاعت لذلك، فأتت بيته فلم تجد حاجباً ولا بواباً، فأخبرته بما كان من شأنها، فقال لها: إنما الصبر عند الصدمة الأولى).