[أحب الأعمال إلى الله أدومها]
إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا من العباد قال عبد الله بن عمرو بن العاص -كما روى ابن حبان في صحيحه-: (جمعت القرآن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أقوم به كل ليلة).
كل ليلة يقرأ القرآن كله.
يقول رضي الله عنه: (جمعت القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكنت أقوم به كل ليلة، فزوجني أبي امرأةً ذات حسب من قريش.
-وعند الإمام أحمد من رواية مجاهد عن عبد الله بن عمرو -: قال: فلما أُدْخَلَتْ علي -العادة أن الرجل يقول فلما دخلت بها، هذه هي العادة؛ لكن انظر إلى هذا التعبير- (فلما دخلت علي) -يعني هو لا يريدها، وما كان يريد أن يتزوج أصلاً، ولكنهم أدخلوها عليه.
هذا كله يبين لك شدة إقباله على العبادة-، فلما أُدخلَت علي جعلت لا أنحاز لها، ولا أنظر إليها -إطلاقاً، وذهب إلى غرفة -مثلاً- مجاورة، وظل يقوم الليل، هذا حبه وهواه، وقد صارت صلاته متعة، كما يستمتع العصاة بالمعاصي يستمتع أهل العبادة بالعبادة، بل هم أشد استمتاعاً بالقرب من الله عز وجل، لأن هذا يورث ذكاء القلب- فكان عمرو بن العاص يعلم أو استشعر أن ابنه سيفعل ذلك- فلما أصبح جاء يسأل زوجة ابنه: كيف الحال؟ قالت: عبد الله نعم العبد لربه، لكنه لم يعرف لنا فراشاً، ولم يفتش لنا كنفاً، قال عبد الله: فجاء أبي فسبني وعزمني -أي لامني- وعضني بلسانه، وقال: أنكحتك امرأةً ذات حسب من قريش فعضلتها، وذهب يشكوه إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأرسل إليه النبي عليه الصلاة والسلام قال: يا عبد الله! كيف تقرأ القرآن؟ قال: أقرأه كل ليلة.
قال: اقرأ القرآن في أربعين.
قال: أقدر.
قال: في شهر.
قال: أقدر.
قال: في جمعة.
قال: أقدر.
قال: في ثلاثة أيام.
قال: أقدر.
قال له: لا تقرأ القرآن في أقل من ثلاث، فإنه من قرأه في أقل من ثلاث لم يفقهه.
وقال له: كيف تصوم؟ قال: أصوم كل يوم.
-فظل ينزل به- في الرواية: قال: فجعل يرقى بي، فقال: صم ثلاثة أيام.
(فقال: أقدر، فقال له: صم يوماً وأفطر يوماً).
إذاً: الواقع أن الرسول عليه الصلاة والسلام ينزل؛ لكن عبد الله بن عمرو قال: (فجعل يرقى بي) أتعرف لماذا (يرقى بي)؟ لأن الله عز وجل لا يمل حتى يمل العبد، فإذا صام كل يوم انقطع عزمه، فيكون قد نزل، تنزل عبادته إذا أدركه الفتور والملل؛ لكن إذا عَبَد الله عبادةً مقتصدة، فيُثْبِت عَمَلَه ويداوم عليه، هذا هو الرقي، فهو إنما ينزل به ليرقى عند الله عز وجل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحب العمل إلى الله أدومُه وإنْ قَل).
تريد أن تتصدق؟ تصدَّق بجنيه واحد في الشهر؛ لكن ثَبِّتْه.
تريد أن تكون محبوباً؟ صلِّ ركعتين فقط قيام ليل، وثبِّتها، لا تصلِّ (١٠٠) ركعة في ليلة وتظل تنزل عن ذلك حتى تترك ليس هذا محبوباً إلى الله تعالى.
المحبوب أن تعمل العملَ ولو كان قليلاً، وتداوم عليه.
ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أحب العمل إلى الله -عز وجل- أدومُه وإنْ قَل).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.