[كيفية النزول إلى السجود]
ثم يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى مكانه، ثم يكبر، ولا يرفع يديه بالتكبير إذا أراد أن يسجد، فإذا سجد نصب قدميه.
هناك بعض الإخوة يكاد أن ينام على بطنه وهو يسجد، وهذا غير صحيح، والصواب أن تنصب قدمك اليمنى، وأن تنصب فخذك على الأرض، وتجافي في السجود بين يديك، الإنسان وهو يسجد يجتهد في أن يباعد ما بين يديه عن كتفيه وعن رأسه، والكلام هذا إذا كان هناك مجال كأن يصلي ولديه فراغ، أما أن يكونوا كلهم ملتصقين ببعض ويضايق الناس فغير لائق؛ وفي أول ما كنا قرأنا صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للألباني كان بعض إخواننا يحاول أن يطبق هذا في صلاة الجمعة، فكانت هذه مشكلة كبيرة جداً، هذا الكلام على حسب المتاح، أحياناً أنت ما تستطيع أن تأخذ راحتك في السجود، وربما ضممت أطرافك على بطنك، وهذا منهي عنه، هناك بعض الناس عندما يسجد يسجد وهو واضع يديه هكذا، وهذا خطأ، إنما الصواب التفريج، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبالغ في هذا التفريج، حتى لو أرادت عنزة صغيرة أن تمر من تحت يده لمرت، ويقول أنس رضي الله عنه: (كنا نأوي -أي نشفق- على النبي عليه الصلاة والسلام من كثرة ما كان يجافي بين جنبيه) عليه الصلاة والسلام.
الأصابع هذه تضم وتوجه إلى القبلة في أثناء السجود.
أما نزولك من الوقوف إلى السجود فيكون على اليدين وليس على الركبتين؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة في الصحيح: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) نص صريح جداً، ولو لم يرد هذا التفصيل لعلمنا من طريقة بروك الجمل أن وضع اليد أولاً يكون هو المخالف لوضع الجمل، لو أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير)، كما ورد في بعض ألفاظ الحديث: (يعمد أحدكم فيبرك كما يبرك الجمل الشارد) وهذا أظنه موقوف على أبي هريرة، فلم يذكر كيف يبرك الجمل الشارد.
لكن نحن المفترض فينا كعرب أهل بادية وإبل أن نعرف كيف يبرك البعير، فالبعير إذا برك إنما يبرك على ركبتيه، وأنتم تعلمون أن كل ذي أربع: الطرفان الأماميان يسميان يدان، والخلفيان رجلان.
فهو يمشي على أربعة، فعندما يأتي إنسان يقول: إن البعير أول ما يضع من جسده يضع يديه على الأرض فهو مخطئ، لماذا؟ لأن وضع يديه -يمشي عليهما- موضوعتان خلقةً، لكن إنما أول شيء يصل منه إلى الأرض ركبتاه؛ لذلك لا يكون أول شيءٍ يصل إلى الأرض من المصلي ركبتيه، فلو نزل الإنسان بركبتيه فهذا هو الذي يشبه به البعير، وليس الذي ينزل بيديه.
ولعل ابن القيم رحمه الله هو الذي بسط المسألة بسطاً وافياً للمخالفين الذين يقولون: إنه ينبغي أن تكون الركبة أول ما يصل من المصلي إلى الأرض؛ لأن ابن القيم رحمه الله لما استشعر ذلك نسى أن تكون ركبة البعير في يده؛ لأن التسليم أن ركبة البعير في يده يفصل المسألة، فقال ابن القيم رحمه الله: وقولكم ركبة البعير في يديه قول لا يعرفه أهل اللغة.
فحينئذ الفصل إنما يتم بالرجوع إلى أهل اللغة، فلما رجعنا إلى معاجم أهل اللغة وجدناهم يجمعون في مادة (ركب) على أن ركبة كل ذي أربع في يديه، وعرقوباه في رجليه، إذاً الذي في الرجلين الخلفيتين اسمه (عرقوب) والذي في الأماميتان اسمه (ركبة) ومما يدل على ذلك حديثان: الحديث الأول: في صحيح مسلم رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لما نزل قوله تبارك وتعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة:٢٨٤] فجاء الصحابة (فبركوا على الركب)، وقالوا: هذه التي لا نستطيع) هذا نص صريح واضح أن البروك لا يكون إلا على الركبة.
الحديث الآخر -وهو أصرح من هذا- وهو في صحيح البخاري ومسند أحمد حديث سراقة بن مالك الذي تبع النبي عليه الصلاة والسلام عندما خرج إلى المدينة مهاجراً، فلما أبصره أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله! هذا سراقة بن مالك يتبعنا.
قال سراقة: فدعا علي النبي صلى الله عليه وسلم؛ فساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين).
كلام صريح جداً (فساخت) -أي: غطست في الأرض (يدا فرسي) هما الرجلين الأماميتين لمقدمة فرسه- (حتى بلغتا الركبتين) فإذاً الركبة إنما تكون في اليد، فإذا أراد البعير أن يبرك برك على يديه.
فالصواب: هو النزول على اليدين؛ لأن لدينا نص صريح يقول: (وليضع يديه قبل ركبتيه) وعلى التسليم أن هذا النص لم يرد فمعرفة كيف يبرك البعير يرشح أن الصواب النزول على اليدين؛ لأن النزول على الركبتين هو هذا المشابهة للبعير.