أول جنس من أجناس الشر يسعى الشيطان إليه: أن يشرك العبد ويكفر بربه، فإذا كتب للعبد وهو في بطن أمه أنه سعيد، وأنه لا يكفر، وأيس منه الشيطان انتقل إلى الجنس الثاني: وهو البدعة، فإن المبتدعة أعداء الرسل، وهم الذين غيروا دين الله عز وجل، وأمروا الناس أن يعبدوا الله بشرع لم يأت به النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأذن به رب العالمين، والبدعة بوابة الكفر، فهذا هو الشَّرَك الثاني.
ومن أقل البدع التي يرتكبها الناس كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا وقف أحدهم بين يدي رب العالمين أتى بعشر بدع، يقف فيقول: نويت أن أصلي الظهر -بصوت مسموع- حاضراً، مستقبلاً القبلة، مأموماً، ثم يصرخ بذلك، وتنتفض عروقه، ويكبر بصوت عالٍ كأنه يكبر على عدو، ولو لبث ما لبث نوح -هذا كلام شيخ الإسلام - يبحث في الكتب عن حرف عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين أنهم فعلوا ذلك لا يجد إلى ذلك سبيلاً.
وهذا من أقل ما يرتكب، وهو من تحصيل الحاصل الذي لو سمعه عربي -ينطق العربية سليقة- لضحك عليه، لأنه تحصيل حاصل.
شخص جاء من بيته ليصلي الجمعة فيقول: نويت أن أصلي الجمعة، مستقبلاً القبلة أو مستدبراً، يعني يشك في نفسه أنه مستقبلاً القبلة أو لا؟! حاضراً! أيظن نفسه غائباً وعفريته يصلي؟! مأموماً! أيظن نفسه إماماً؟! أليس هذا كله من تحصيل الحاصل؟! فلو سمع رجل عربي هذا الكلام لضحك، ولظن السفه من المتكلم، فإن الرجل لو قعد على سفرة طعامه فقال: نويت أن آكل رزاً، نويت أن آكل خبزاً، نويت أن آكل مخللاً، فإن هذا شيء يضحك؛ لأنه إنما هو تحصيل حاصل.
عندما يقف وهو بين يدي رب العالمين في أعظم شعيرة عملية فيرتكب مثل هذه البدع، فلا شك أنه يعبد الله بما لم يأذن به، وبما لم يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أدنى ما يذكر من البدع.