[بيان الكذبة الثانية]
الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن، والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ذكرنا في الخطبة الأولى أن إبراهيم عليه السلام كذب ثلاث كذبات، وذكرنا الكذبة الأولى، والآن نذكر لكم الكذبة الثانية: وهي قوله عليه السلام: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:٨٩] وكان كما قال أهل التفسير: إن قوم إبراهيم كانوا يخرجون في عيد لهم، ويلزمون الجميع بالخروج، وعندما أتوا إلى إبراهيم وطلبوا منه أن يخرج معهم في عيدهم، تظاهر بالمرض، وقال: (إني سقيم) يريد أنه سقيم القلب لكفرهم.
{فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} [الصافات:٩٠] أي فروا منه خشية أن ينتقل المرض منه إليهم، وبذلك نجا من أن يحضر أعياد الكفرة؛ لأن المسلم لا يجوز له أن يحضر أعياد الذين يحادون الله ورسوله، وهذا بكل أسف يفعله المسلمون الآن، لا تراهم يحتفلون بعيد الفطر أو الأضحى مثلما يحتفلون بعيد رأس السنة الميلادية، وليس هذا فقط، بل يشربون الخمر، والمسلمون قد نهوا أن يحضروا أعياد المشركين الكافرين.
وتنظر إلى هذا الغثاء وقد خرج كله من بيتك، وفي الحدائق يأكلون النتن، ويشاركون اليهود في عيدهم، فتقيم الدولة احتفالاً رسمياً بهذه المناسبات، أنَّى لهؤلاء أن ينتصروا؟ أنَّى لهؤلاء أن ينزل الله نصره وقد حادوه، ولا يقيمون لشرعه وزناً؟ وصل النفاق إلى درجة عالية عند هؤلاء، حتى أصبح مخالفة الإسلام عندهم أمراً هيناً لا يؤبه له، بينما مخالفة أسيادهم من المشركين والكفار هذا أمر عظيم.
أحد الوزراء قال في مذكراته: إنه حضر مع رئيس سابق -ونشرت مجلة لبنانية نتفاً من مذكرات هذا الوزير- يقول: إنه ذهب مع الرئيس السابق الكنيسة، ثم إن الرئيس السابق أراد أن يكون كـ عمر، أذن الظهر، فقال ذلك الرئيس: يا جماعة تعالوا نصلي، وتقدم للإمامة.
وهذا المسكين -أي: الوزير- كان جنباً، وزير يمشي جنباً، قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون سنون خداعة، يخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، وينطق فيها الرويبضة، قالوا: من الرويبضة يا رسول الله؟ قال: السفيه يتكلم في أمر العامة) السفيه يكون رأساً، فهو الذي يأمر، وهو الذي ينهى، وهو الذي يتحكم، ومع ذلك يمشي جنباً!! لو أن هذا الوزير عندما رأى المسلمين قاموا إلى الصلاة ولم يصل، فسيقف بالباب ينتظرهم حتى يتموا الصلاة، لكنه استحيا من هذا الموقف، ولشده حيائه صلى وهو جنب.
فانظروا إلى هذه الصورة وقيسوا عليها، وما خفي كان أعظم، والغريب أن تصل به الجرأة أن ينشر هذا الكلام على المسلمين.
وأنا قد رأيت أحد المحافظين في صلاة الجمعة وقد التقطت له صورة مع رئيس سابق، ووضعوها في جريدة الجمهورية في أول صفحة، وهو يصلي وواضع يده اليسرى على اليمنى في الصلاة! ابن أربع سنوات أو ثلاث سنوات يعلم أن اليمنى هي التي توضع على اليسرى في الصلاة، وهذا المحافظ لا يعرف!! ألا يخاف أولئك أن ينزل الله غضبه عليهم، إن هذا الضنك الذي يعاني العباد منه، إنما هو بما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير، قال الله عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} [الروم:٤١] وليس يذيقهم كل الذي عملوا بل بعض الذي عملوا، ما العلة؟ {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:٤١] لعلهم يتوبون من قريب، لعلهم يرجعون إلى ربهم، فيذكرهم الله عز وجل ببعض ما كسبت أيديهم ليتوبوا.
لا يجوز للمسلم أن يشارك في أعياد الكافرين، ولا أن يكثِّر سوادهم، فإبراهيم عليه السلام لا ينبغي له أن يشارك قومه في أعيادهم؛ كيف يشاركهم وهو أمة وحده، وهو من يدعوهم إلى التوحيد: {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:٨٩] لذلك كانت هذه الكذبة في ذات الله عز وجل.