[مخالفة أهل البدع لأهل السنة في منهجي التلقي والاستدلال]
الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن، والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
إن الفرق انقسمت إلى ثلاث وسبعين فرقة واحدة فقط في الجنة، واثنتين وسبعين في النار، وهم أهل البدع، وهم يخالفوننا في منهج التلقي، ويخالفوننا في منهج الاستدلال، ولهم مخالفات أخرى جسيمة كثيرة، لكن هذان الأمران هما أبرز ما عندهم، وكل ما يجيء بعد ذلك، فرعٌ عنهما.
وقلنا: إن منهج التلقي لا يكون إلا من طريقٍ واحد، وهذا فيه رد صريح على الصوفية؛ الذين يقولون: إن الطرق إلى الله بعدد أنفاس البشر، والرسول عليه الصلاة والسلام في خطبة الحاجة التي كان يخطبها دائماً، كان يقول: (وخير الهدي هدي محمد)، إذاً: فليس هناك إلا طريقٌ واحد، ومع ذلك يأتي من يقول لك: عدد الطرق بعدد أنفاس البشر، أنفاس البشر لا تحصى، مئات الملايين من الطرق، لذلك كلما هووا شيئاً جعلوه ديناً؛ بسبب هذه المقالة، حتى وصل الأمر ببعض رءوسهم أيام ابن الجوزي إلى ترك الصلاة، لماذا؟ لأنهم أيضاً يخالفوننا في منهج الاستدلال، القرآن لا يستطيع أحد اللعب فيه ولا إدخال ما ليس منه فيه، ولا إخراج شيء من القرآن؛ لأن القرآن محفوظ بحفظ الله عز وجل، ولو وكله إلينا لضيعناه، كما فعل اليهود والنصارى، لما جعل حفظ التوراة والإنجيل إليهم حرفوه، والنفس البشرية واحدة.
وهم الآن يلعبون بآيات الله عز وجل عن طريق تحريف المعاني، بعدما عجزوا عن تحريف اللفظ، ولو ترك الله عز وجل الحفظ لنا لحرفوه أيضاً بعدما هانت عليهم الآيات فحرفوا المعاني {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩]، فاللفظ محفوظ، لكن من أولئك من يأتي ويلعب بالمعنى، فذكر ابن الجوزي رحمه الله قال: وبعض أكابرهم هنا لا يصلي، فلما سئل عن ذلك، قال: إن الله عز وجل يقول: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩] وأنا قد جاءني اليقين.
فمعنى الآية في فهم هذا المخذول: أي إذا وصلك اليقين كف عن عبادة ربك؛ لأن لفظ (حتى) حرفٌ لانتهاء الغاية.
كما لو قلت لك: ذاكر حتى تمل، أو صم حتى تضعف، أو كل حتى تشبع، (حتى) حرفٌ لانتهاء الغاية، فتكون وصلت إلى نهايتك في الشبع، وفي التعب، وفي الملل، فاعبد ربك حتى يأتيك اليقين، فإذا وصلك اليقين فكف عن عبادة ربك؛ لأن اليقين هو الغاية.
قال ابن الجوزي: ويقول: وصلت وصدق.
إنما إلى سقر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أسدّ الناس طريقةً وأعظمهم يقيناً ما علمناه ترك الصلاة ولا ترك الصيام، فيكون هذا اتهام للرسول عليه الصلاة والسلام أنه مات ولم يصله اليقين.
والقائل بهذا حاله كالمستجير من الرمضاء بالنار، أراد أن يجد لنفسه عذراً سائغاً، فاتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يصله اليقين.
ومنهج التلقي هو قرآن وسنة، لكن لابد أن يكون بفهم السلف الصالح أصحاب هذا الطريق الوحيد، (ما أنا عليه اليوم وأصحابي).
وكما قال مالك رحمه الله: ما لم يكن يومئذٍ ديناً فلا يكون اليوم ديناً.
هم أوْلى بالدين وعاينوه غضاً طرياً، وسألوا عنه صاحبه، وأدرى الناس بمراد الله ورسوله، فهم أولى بالاتباع.
فمنهج التلقي ينبغي أن يكون محصوراً في الطريق الواحد؛ طريق القرآن والسنة، وبما أن النص قد وصلنا فيبقى النظر في هذا النص وما دلالاته؟ وماذا يريد الله منا بهذا؟ فخالفنا أهل البدع أيضاً في منهج الاستدلال ومنهج الفهم من النصوص، مثلما خالفونا في الأول.
فـ إبراهيم النظام وهو أحد أكابر المعتزلة ينكر حديث انشقاق القمر، {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:١]، فهو يقول: القرآن حق وانشق القمر في القيامة، حين تصير السماء واهية وتنكدر النجوم وتصير الجبال كالعهن ينشق القمر، وينكر أن يكون القمر قد انشق في مكة، ويزعم قائلاً: إن القمر لا ينشق لـ ابن مسعود وحده.
فنقول لهذا الجاهل: ليس ابن مسعود فقط هو الذي روى هذا الحديث، رواه أمة من الصحابة.
لكنه جاهل بالحديث، جاهل بطريقة نقل السنة؛ لأنه أخذ طريقاً من الثلاثة والسبعين غير الطريق المنجي، لذلك فهم جهله، لا يعرفون شيئاً عن هدي الصحابة ولا عن سمتهم ولا دلهم، فيقول: القمر آية من الآيات العظيمة فهل يعقل أن يكون الناس كلهم نائمين وابن مسعود رأى القمر وحده؟!! وهذه آية لو رآها أهل الشرك لضلت أعناقهم لها خاضعين، فكيف لم يسلموا؟ فينكر النصوص ويهدم بمعول الباطل نصوص الحق؛ لأنه جاهل ومعادٍ، وقد رأى انشقاق القمر الكثير من الناس، كالقوافل التي كانت تمشي بالليل، رأت القمر فلقتين، فلقة هنا، وفلقة هنا.