للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم التمذهب وطلب العلم على مذهب معين]

السؤال

هل يجوز لطالب العلم المبتدئ أن يتمذهب بمذهب معين من المذاهب الأربعة حيث تعرض له كثير من مسائل الخلاف، ولا يدري ما هو القول الراجح؟ نرجو الإفادة.

الجواب

أما بالنسبة للتمذهب كوسيلة لتنظيم الدراسة فهذا جائز، وأنا سألت الشيخ الألباني رحمه الله؛ لأنهم نقلوا عنه أنه يهدم المذاهب الأربعة، والشيخ مظلوم وبريء من هذا القول، فسألته هذا السؤال بعينه: هل يجوز لطالب العلم أن يتمذهب من باب تنظيم الدراسة؟ لأنه لو درس الفقه على الراجح لن يصل إلى شيء، ويربى الطالب على صغار العلم وليس على كباره؛ لأنه إذا دخل في وسط العلماء الذين يرجحون ويرد بعضهم على بعض وليس عنده إدراك ولا تمييز فلن يحصل طائلاً من هذا الخلاف، لذلك هو يبدأ بالمتفق عليه، كأن يدرس -مثلاً- المتون من كتب أحد المذاهب كتنظيم للدراسة.

وهناك شرط: ألا يجعل المذهب ديناً لا يتجاوزه، حتى وإن ظهر الدليل على خلاف المذهب؛ لأن أهل العلم جميعاً ينهون عن ذلك.

فقلت للشيخ حفظه الله: بأي المذاهب تنصح؟ قال: بالمذهب الشافعي ثم المذهب الحنبلي.

قال: هذان أفضل المذاهب الأربعة من حيث تفضيل إلى السنة، المذهب الشافعي لثرائه ولكثرة الكتب والعلماء، والمذهب الحنبلي لضبطه على الدليل.

وبكل أسف هناك بعض المدارس الموجودة ترد المذاهب الأربعة جملة، وتحرم التقليد حتى على العامي الذي لا يدري شيئاً، وهذا غلوا جداً، ويقولون: لأن التقليد لا يجوز في دين الله.

ولا يجوز للعالم أن يقلد.

ولا يتصور أن عالماً يفتي في كل مسألة ببحث واستقراء واستفاضة فالأمر لا يتسع إلى مثل هذا، وقد وجدنا أكابر العلماء يذكرون فتاوى غيرهم، كالإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد وإسحاق والثوري والأوزاعي وهؤلاء كان أحدهم، يسأل عن فتوى فيقول: كان سعيد بن المسيب يقول كذا، وكان الزهري يقول كذا.

فمسألة أنه لابد للإنسان أن يتحرى الحق، ويبحث المسألة، وينظر إلى أدلة المخالفين، ثم يمشي في مسألة التعارض والترجيح، وفي الآخر يرجح قولاً من الأقوال! ما أظن أن أحداً من العلماء يوجبه على كل إنسان، إنما كل إنسان بحسبه، وقد أسقط الله تبارك وتعالى الحرج عن هذه الأمة: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦] {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦] فهل يتصور أن آتي على رجل فلاح وأقول له: تعال نناقش التعارض والترجيح بين الأدلة، فإذا تعارض دليلان نترك كذا وندع كذا إلخ! هذا نوع من التعجيز، فالذي يقول: إن التقليد لا يجوز حتى على مثل هذا الرجل غال جداً، والذي يقول: لا يجوز تجاوز المذهب حتى وإن ظهر الدليل أيضاً هذا غلو شديد، نسأل الله تبارك وتعالى أن يهدي الأمة إلى الصراط المستقيم.