إن الله تبارك وتعالى أنزل آية أخرها ثماني سنوات:{إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ}[التوبة:٤٠] هذه الآية تتحدث عن حادثة الهجرة، ونزلت في غزوة تبوك، لأن غزوة تبوك كانت غزوة في غاية الصعوبة، وسمي جيشها جيش العسرة.
أولاً: كانت في حر شديد، وقال المنافقون:{لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ}[التوبة:٨١]، فرد الله عليهم:{قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ}[التوبة:٨١].
ثم كانت الغزوة في وقت طابت فيه الثمار، فكل رجل ينتظر الحصاد، فالناس تريد المقام في زراعتها حتى تحصد.
ثم استقبل النبي صلى الله عليه وسلم سفراً بعيداً ومفازاً، سافر إحدى وعشرين يوماً مشياً على الأقدام في هذا الحر الشديد، فتخلف المنافقون، بل بعض فضلاء الصحابة تخلف، منهم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية الواقفي، ومرارة بن الربيع، وأبو خيثمة، لكن أبو خيثمة كان متزوجاً بامرأتين، كل امرأة تهيئ المقام لـ أبي خيثمة، مهيئة الخيمة ومبردة ماء ومحضرة طعام، فدخل أبو خيثمة ووجد النساء متهيئات، أول ما جلس تذكر الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: بخ بخٍ يا أبا خيثمة! يعاتب نفسه، أبو خيثمة بين امرأتين حسناوين! وظل ظليل! وماء بارد! ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح والشمس، والله ما هذا بالنصر! وقام قال: والله لا أطعم طعام واحدة منكن ولا أشرب شراب واحدة منكن، وجهز نفسه ومشى.
وأبو ذر أبطأ عليه بعيره، ترك البعير ومضى، أخذ الخرج ومضى على رجله، لأن قلبه ممتلئ حماساً، مع أنه ربما كانت الدابة مع مشيتها البطيئة أسرع منه، لكن قلبه شاب.
فكانت الغزوة في غاية الصعوبة، وبدأ بعض المسلمين يتفلت، وتفلت كثير من المنافقين، فأنزل الله هذه الآية تثبيتاً له:{إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}[التوبة:٤٠] في هذه الغزوة هو لا يحتاج إليكم، لقد نصره بغير واحد منكم، ما احتاج لكم، كان هو وصاحبه فقط ونصره الله عز وجل، فلو تخليتم عنه في هذه الغزوة فلا عليكم أن تتخلفوا، إلا تنصروه في هذه الغزوة وتقفوا موقف الرجال فلا حاجة لله فيكم:{فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ}[التوبة:٤٠] فنصره الله عز وجل.
فلا نريد أن ندخل تحت هذه الآية ونتقاعس، لابد من دراسة جدول حياتنا، لماذا خلقنا؟ وهل الخط الذي نمشي فيه خط سديد؟ هل إذا قابلنا الله عز وجل وسألنا عن ديننا سندلي بحجة ونتخلص بعذر، أم سنقف بلا عذر ولا حجة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.