للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التربية في الصغر]

أين الخط الدفاعي الأول الذي قصرنا جميعاً في إيجاده حتى الآن؟! حتى نرد على أمثال هؤلاء الذين يطعنون في ديننا ويريدون هدم هذا الصرح على رءوسنا جميعاً، وإذا هدم هذا الصرح فلا قيمة لنا في الحياة ولا نستحقها، التمكين -أيها الإخوة الكرام- يحتاج إلى جيل، وهذا الجيل يحتاج إلى تربية من وقت الرضاع، ولهذا السبب موسى عليه السلام من أكثر الأنبياء ذكراً في القرآن، ولم يذكر ميلاده إلا مرة واحدة في سورة واحدة، وهي سورة القصص، لماذا؟ انظر مطلع السورة، وهذه السورة سورة المستضعفين، أيها المستضعف! تريد أن يُمكن لك، اقرأ سورة القصص: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:٥ - ٦] كيف يكون هذا المن يا رب: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص:٧] يبقى التمكين يأتي من الرضاع، لا تترك الولد حتى يكبر وبعد ذلك تقول له: تعال نجعلك شيخاً، أو عالماً: إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قومته الخشب سبحان الله العظيم! عامل ولدك معاملة الشجرة التي تغرسها أمام دارك، أحياناً تمشي أمام دارك، فترى الشجرة التي مازالت عوداً صغيراً مشدودة بحبل، لماذا شددتها بحبل؟ لكي تكبر معتدلة.

لماذا لا تتركها حتى تصير شجرة كبيرة قوية ثم تشدها بجنزير؟ لو أن رجلاً فعل هذا لاستحمقوه، فعامل ولدك معاملة هذه الشجرة، وعدله مادام صغيراً، لا يمكن له أبداً إلا إذا كان على النهج السديد، فهذه السورة أفادت أن الذي يبحث عن التمكين لابد أن يبحث عنه التمكين من وقت الرضاع.

بل أقول: إذا بحثت عن التمكين فابحث عن التمكين من وقت وضع النطفة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم أهله، فقال: باسم الله، اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني، فإن كان بينهما ولد لم يضره الشيطان أبداً) إذاً: من التمكين للولد ألا يضره الشيطان أبداً، هذا هو الذي يمكن له، إذاًَ: نريد جيلاً يمكن له، فمن وقت وضع النطفة نسمي الله عز وجل.

الآن يا إخوة! المشكلة التي نبعت من محافظة الدقهلية ومن مدينة المنصورة، هذا هو التعاون مع اليهود، وهذا هو أول الغيث.

بنت تطلب رجلاً، هذا هو المطلوب، لماذا لا يكون العكس؟ أن الرجل يطلب امرأة؛ لأن طلب الرجل للمرأة مشكلة، لأن المرأة قد تفضحه، لكن إذا كانت المرأة هي الطالبة انتهت القصة، إذاً: لا فضيحة، وبعد ذلك الرجل ركب فيه الميل الغريزي إلى النساء بطبعه، فإذا وجد امرأة تطلبه انتهى الإشكال، ولذلك استدل العلماء بهذا على عفة يوسف عليه السلام، وعلى طهارة نفسه, عندما تعفف عن امرأة العزيز تحت المقولة القائلة: ظهر المقتضى كلما كان ذلك أرفع.

يوسف عليه السلام تقول له امرأة العزيز: (هيت لك).

إياك أن تتصور أن عفة يوسف عليه السلام كانت كعفة أحدنا، أو كانت كعفة الرجل الذي كان في أصحاب الغار عندما قال: اللهم إنك تعلم أنه كان لي ابنة عم، وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال من النساء، فراودتها عن نفسها فأبت، فأصابتها سنة إلى آخر الحديث، فقال: فلما قعدت منها مقعد الرجل من امرأته، قالت: يا عبد الله! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه.

هذا الرجل الذي قام عن المرأة وكان يحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، ووصل إلى بغيته وأمنيته، وبمجرد ما قيل له: اتق الله، قام واقفاً، هذا الرجل عملاق، ومع أنه عملاق فإنه يعتبر قزماً بالنسبة ليوسف عليه السلام؛ لأن الدواعي التي كانت حول فعل يوسف كانت أعظم بكثير من الداعي الذي كان عند الرجل، وأنت خذ الدواعي هذه كلها ثم قارن.

أولاً: يوسف عليه السلام كان شاباً، والشاب يجد من قوة الشبق ما لا يجده الكهل والشيخ، وهو شاب لم يتسر ولم يتزوج، هذا رقم واحد.

ثانياً: ثم هو عبد، والعبد ليس عنده من النخوة ما عند الحر، ثم هو مملوك، والمملوك حريص على إرضاء مالكه، ثم هو غريب، والغريب يفعل في دار الغربة ما لا يفعله الحر المقيم بين أهله وإخوانه، والمثل عندنا يقول: (البلد الذي ما تعرف فيها أحداً اعمل فيها ما بدا لك)؛ لأنه غريب لا أحد يعاتبه، ولا يرعى عين أحد، ثم المرأة جميلة، ثم هي الطالبة فقد أمن من الإحراج، وأمن من الخوف أنها تنزل به العقاب، ثم المرأة ذات سلطان وتهدده، فكان ربما يقول: أنا عملت الذي علي، وقد هددت بأنها ستدخلني السجن، وأنا أعمل ماذا إذاً؟ يقول: أنا تعديت مرحلة الاختيار إلى مرحلة الإكراه، فهي امرأة ذات سلطان وقادرة على إيقاع العقوبة، ولكنه مع ذلك يرفض.

ثم فوق ذلك غلقت الأبواب، وغاب الرقيب، مع كل هذه الدواعي المتوفرة على الفعل يقول: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:٢٣] فأين في الناس يوسف عليه السلام؟ فالرجل عنده من الغريزة للمرأة، ولذلك قال عليه السلام قال: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} [يوسف:٣٣] أصبُ من الصبوة، أي: أكون صبياً، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر النساء، ما رأيت أذهب للب الرجل العاقل منكن) تلعب به وهو العاقل، الرزين الهادئ، الذي عقله يزن بلداً، لكن أمام المرأة صار صبياً، ولذلك تجد المرأة الماكرة تطلب طلباتها في وقت إقبال الرجل، وهو مقبل مرتاح تطلب الذي تريده، (أَصْبُ إِلَيْهِنَّ): أي يصير الرجل العاقل صبياً {وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [يوسف:٣٣].

أين خط الدفاع؟ وهذا أول الغيث: (فتن كقطع الليل المظلم) كجسد بلا كرات دم بيضاء تدافع عنه، إذا كنا نحن في محنة من أعظم المحن، فكيف أيها الغرباء -أنتم على وجه الخصوص- لم تتخذوا للأمر عدته، ولم تتأهبوا لهذه المعارك الفاصلة التي ستأتي على كل الجبهات، أين الجنود الذين أعددتموهم لله عز وجل؟ إني أعيذ نفسي وإياكم من قول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:٣٨] في الجحود والنكران وإهمال الدين، وترك نصرته.