للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرخص لا تناط بالمعاصي]

حكْم علماء المسلمين في المرأة التي تحمل سفاحاً من الزنا أنه لا يحل لطبيب أن يجهضها؛ لأنها إذا حملت من سفاح ثم أجهضت، فإنها ستذهب مرة ثانية وتحمل من سفاح وتجهض؛ لكن إذا علمت المرأة أنها إذا حملت لا تستطيع الإجهاض تفكر ألف مرة قبل أن ترتكب هذا الفعل.

ففضيحة المرأة الزانية جزءٌ أراده الشارع، ولا تقل: أنا أستر عليها، فإنه لا يجوز الستر هنا، كما قال الله عز وجل: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:٢]، لا تنقل أحاديث الستر إلى أهل العصيان، ثم لا تقل: إن الإجهاض جائز أيضاً.

لماذا؟ لأن العلماء يقولون: إن الرخص لا تُناط بالمعاصي، والأصل بقاء الحمل -الجنين- حتى تلد.

إذاً: المرأة المتزوجة بعقد صحيح إذا حملت فقال أهل الطب: إن في حملها خطراً عليها، وعملوا بذلك تقريراً؛ تقف مقالة أهل الطب عند هذا الحد، ولا يجوز للطبيب أن يقول لها: أسقطي الحمل، فالطبيب يرفع التقرير إلى المفتي فقط، وليس شرطاً أن يكون مفتي الديار، بل إلى من له حق في الإفتاء، فالمفتي يقرأ هذا التقرير، ثم يقول: جائز شرعاً أن تُسْقِط، وإلا فلا يحل للطبيب أن يقول: جائز شرعاً أن تسقط.

إذاً: الطبيب يعمل تقريراً ويرفعه للجهات المختصة صاحبة القرار، وهو الفقيه الذي يقول: جائز شرعاً أن تُسْقِط.

فلما كانت المرأة حملت حملاً حلالاً جاز لها أن تستمتع بالرخصة؛ إذ الرخص لا تناط بالمعاصي؛ لأن الرخصة معناها توسعة وتسهيل، فكيف نسهل على أصحاب العصيان معاصيهم، يعني: لو أن شخصاً مثلاً مسافر لكي يذهب إلى المصيف، فيقول ماذا؟ هيا لنقصر الصلاة.

فنقول له: لا.

يا أخي! قصر الصلاة تكون في سفر المباح أو المشروع، وسفرك سفر معصية، فلا يحل لك أن تستمتع بالرخص، والرخصة هذه لعباد الله الطائعين؛ بينما أهل المعصية لا يستمتعون بالرخص.

فالرخصة تناط بالطاعات ولا تناط بالمعاصي، وقد تفرد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بهذا القاعدة وهي أنه لا يجوز للمسافر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقصُر الصلاة، وأفتى أن شد الرحل إلى القبر معصية، إنما السنة والمستحب أن تشد الرحل إلى المسجد وليس إلى القبر، كما هو نص الحديث، وقال للذين عارضوه وقاموا عليه: أمهلتُ كلَّ مَن خالَفَني سَنَةً أن يأتيَني بحرف عن الصحابة والتابعين يخالف ما أقول.

وكان رحمه الله إماماً متضلعاً كالبحر الهادر إذا تكلم.

ومعاصرونا من المبتدعة شنعوا وقالوا: السلفيون يكرهون النبي صلى الله عليه وسلم، فإن قيل لهم لماذا؟ قالوا: لأن هؤلاء يقولون: لا تزوروا قبر النبي صلى الله عليه وسلم.

لا.

والله، بل هذا كان مذهب القرون الفاضلة، كان الواحد منهم إذا أراد أن يشد الرحل شده إلى المسجد ومِن ثَمَّ يزور، فزيارة القبر متحققة بزيارة المسجد؛ لكن نيتُك الأولى لا تكون إلا لشد الرحل إلى المسجد؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) ونفي الاستثناء من أقوى صيغ الحظر.

إذاً: فضيحة المرأة الزانية بجلدها أو رجمها جزءٌ أراده الشارع.

وبهذا ذَهَبَ قولُ تلك المرأة واعتراضُها كضرطة عير في فلاة، لا قيمة لها.