للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرفق بالسائل خصوصاً إذا كان جاهلاً

قال هذا الأعرابي: (متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث)، هذا فيه إعراض من النبي عليه الصلاة والسلام، لماذا؟ لأن السؤال غير عاجل، هذا سؤال ما له كبير قيمة، أن تعرف متى الساعة، لذلك صرف النبي صلى الله عليه وسلم الرجل إلى ما ينفعه، وهذا فيه من الأدب أنه ينبغي على الشيخ أن يرفق بالسائل، لأنه قد يكون جاهلاً، أو قد يكون من الذين لا يحسنون السؤال، فيعلمه إحسان السؤال، فالرسول عليه الصلاة والسلام ما أجابه إنما سأله، فرد على السؤال بسؤال، كأنما قال له: السؤال الذي ينبغي أن تطرحه ليس الذي ذكرت بل الذي أنا أذكره، والذي ينبغي أن تهتم به.

وروى الإمام مسلم عن أبي رفاعة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب فدخل رجل فقال: رجل غريب يريد أن يتعلم دينه، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر وجلس على كرسي وأدنى هذا الرجل وجعل يعلمه ما يلزمه من دينه، وبعد أن انتهى صعد المنبر فأكمل خطبته)، فهذا رجل متعجل لا يدري شيئاً عن دينه، فربما إذا أقيمت الصلاة لا يدري كيف يصلي، فالإجابة هنا عاجلة بخلاف الرجل الذي يقول: متى الساعة؟ فينبغي للعالم أن ينظر إلى سؤال السائل إذا كان الرجل متعجلاً فليعجل له بالجواب فهذا أرفق، وإذا كان السؤال يحتمل التراخي أقبل على شأنه وعلى كلامه ثم بعد ذلك لا يضره إن هو رجع له مرة أخرى.

لماذا؟ لتحاشي حصول مضرة من تأخير الجواب.

فهو يقول هنا: متى الساعة؟ فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم يحدث، فالناس الذين يسمعون النبي صلى الله عليه وسلم انقسموا إلى فريقين، جماعة قالوا: سمع ما قال، فكره ما قال، وجماعة قالوا: بل لم يسمع.

أما الفريق الأول الذي قال: سمع فكره، عرفوا من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا كره الشيء لا يجيب، مثل الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت ولم يجبه، -حتى كرر الرجل المسألة أكثر من مرة- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذروني ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، وفي اللفظ الآخر قال: لو قلت نعم لوجبت ولما أطقتم) فالرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا كره السؤال لا يجيب، لكن يضاف إلى عدم الإجابة شيء آخر هو الذي جعل الفريق الآخر يقول: لم يسمع، أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا كره لم يجب ويحمر وجهه، يظهر عليه علامات الكراهة، فعدم احمرار وجه الرسول عليه الصلاة والسلام أغرى طائفة أخرى فقالوا: لم يسمع، لأنه لو سمع وكره ما قال لتغير وجهه عليه الصلاة والسلام كما هي عادته، وكذلك فإن الفريق الآخر غلب حسن الخلق؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن من عادته أن يهمل من يريده، لاسيما إذا كان الرجل من البادية، رحل وجاء من مسافة بعيدة، فقالوا: لا.

لم يسمع، لأن حسن خلقه صلى الله عليه وسلم في استقبال الغريب يمنعه ألا يجيبه، فالأولون غلبوا ما رأوه من عادته عليه الصلاة والسلام أنه كان إذا كره لا يجيب، لاسيما أن هذا السؤال وجه إلى النبي عليه الصلاة والسلام ولم يجب على السائل.

(حتى إذا قضى حديثه وأكمله، قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ فقال: ها أنا يا رسول الله! قال: إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)