[التحذير من اقتناء التلفاز في البيوت]
إذاً: الهجرة علاج الاستضعاف، لكننا الآن في زماننا لا نستطيع أن نهاجر ونترك بيوتنا، فبقيت الهجرة التي لا تنقطع، وهي هجر معاصي الله تبارك وتعالى.
لماذا -أيها المسلم- تترك جهاز الرائي في بيتك؟ إن الذي لم يستطع أن يخرج هذا الجهاز من بيته لن يستطيع أن يترك داره وولده ليهاجر في سبيل الله.
مع أن هذا أقل تكلفة وجهداً، فليس عليه مضرة في أن يرفع جهاز التلفاز من البيت، ومع ذلك لا يفعل، ولا يقوى على أن يفعل؛ لأن هواه غلبه، وزوجته لا يستطيع أن يخالفها، وأولاده قد تعودوا على جهاز التلفاز، فتجده يقول: بدلاً من أن يذهب أولادي يتسكعون في بيوت الناس، فخير لهم أن يجلسوا في البيت وهذا منطق أعوج! فهل يليق بعاقل أن يقول: يا بني، اشرب الدخان عندي، ولا تدخن من خلفي، فإني لا أحب أن يضحك عليَّ أحد؟! هل ينفع هذا الكلام؟ وهل يجوز هذا في عقل عاقل؟ يقول: بدلاً من أن يتفرجوا عند الناس يتفرجون عندي! والله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:٦]، فإذاً كنت أباً مؤتمناً فعلاً على أولادك وتخاف عليهم من عذاب الله، فلا تعرضهم لعذاب الله عز وجل باقتنائك لهذا الجهاز المدمر للأخلاق وللدين وللشريعة! ألا تهاجر إلى الله عز وجل؟! ولن تندم، فإن البيت الذي ليس فيه تلفاز أنت فيه أبو ولدك، وأنت فيه القيم على ولدك، بخلاف البيت الذي فيه تلفاز، فإن تأثيره على الولد أقوى من تأثير الوالد، لاسيما إذا كان الوالد يقضي معظم نهاره في العمل.
وبعض الآباء ينتقد دائماً كل شيء، فحياته كلها انتقاد، وكأنه ليس هناك شيء جميل أبداً.
وستكون النتيجة أن حياته في البيت عبارة عن توجيهات: لا تفعل افعل، فمثل هذا المنطق وهذه الطريقة يستاء منها الأولاد وتستاء منها الزوجة، وهم يريدون أن يهربوا من هذا الهم، فيتفرجون على المسلسلات ويضيعون الوقت بكل أسف! ويا ليت هذا النظر يقتصر على مجرد التسلية وإملاء الفراغ؛ إنه يترك أسوأ الأثر في العقل الباطن للمتفرج، وأنا لا أنقل هذا الكلام من عندي، بل نشرته شركة ناشيونال اليابانية، وهذه الترجمة نقلتها مجلة البيان التي تصدر في لندن باللغة العربية.
فتقول: إن من خصائص الأشعة التي يرسلها التلفاز أنها تجعل العقل نصف نائم، تصيبه بعملية شلل في بعض خلايا العقل فلا يفكر، بل يكون مستسلماً، فتصور عندما يكون الإنسان عقله نصف نائم، ويتفرج على مثل هذه الأشياء؛ سوف تلقي تلك الأفكار في روعه، لاسيما التي تتكرر بصفة دائمة.
فهذه معصية من أعظم المعاصي! ولا يتذرع أحد بالدروس الخصوصية، والدروس التعليمية، فإن هذه حجة ليس لها أي قيمة، ولا تجري على قدم ولا خفٍ ولا حافر عند الله عز وجل أبداً، فإن دروس التلفاز لا تعطي شيئاً للطالب، ولو أعطته شيئاً فليس له قيمة في مقابل الشر المستطير.
فهذه معصية ألا تهاجر إلى الله عز وجل منها؛ حتى لا تدخل في آية الاستضعاف الممقوت؟! وهاجر إلى الله عز وجل ولن تندم أبداً.
وقد جربنا هذا في بيوتنا: أولادنا أكثر استقامة لنا؛ لأنهم لا يتلقون الأوامر إلا منا، والمرأة ضعيفة الخلقة، ضعيفة النفس، يمكن لأي إنسان أن يضحك عليها.
وقد حدث أن ضحك رجل على امرأة، وأخذها من زوجها بعد خمسة وعشرين عاماً من زواجهما، وجعل يمنيها بالسعادة الموهومة، مع أن أولادها في الجامعة، وزوجها في مركز مرموق جداً، ولا ينقصه أي شيء، وهي من سيدات الطبقة الأولى، ومع ذلك تعطي أذنها، وحولت بيت زوجها إلى نكد مستمر حتى طلقها، فلما أن انقضت العدة تزوجها ذلك الرجل أربعة أشهر ثم طلقها! وهكذا النساء كلهن على خليقة واحدة، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: (إن المرأة لا تستقيم لك على طريقة)، ولذلك ينبغي أن يكون مذهبك في التعامل مع المرأة مذهباً مختلفاً لكل يوم، فلابد أن تكون عندك طرق متعددة في التعامل، فهي اليوم راضية، وغداً غاضبة، وأيضاً بعض النساء لا تعرف متى يغضب زوجها ولا متى يفرح، فالواجب أن تتعامل مع هذه النوعية بتعاملات شتى، والله عز وجل قد أباح التعدد للرجل وجعل في مقابل هذا التعدد أخلاقاً عنده كي يتعامل مع نسائه، لكن لا يستخدم هذه الأخلاق إلا الأذكياء.
فلو شاء الرجل لما نشزت عليه امرأته، والكلمة الطيبة تؤثر فيهن، والرجل يستطيع أن يتلافى كل هذه المشاكل بكلمة طيبة، فمرة يشتد ومرة يلين؛ لأن لديه صلاحية أن يتعامل مع أربع نساء، وبعد ذلك إذا قام الجهاد وأفاء الله عز وجل علينا، وأخذ كل واحد منا عشرين أو ثلاثين أمة، فلابد أن يتعامل معهن جميعاً، وليعلم أن المرأة لن تستقيم له على طريقة واحدة، فيعامل هذه بأسلوب وهذه بأسلوب آخر، وهذا ليس نفاقاً، بل إنه عمل مشروع.
فإذا كانت المرأة وهي سِلم لزوج واحد لا تكاد تستقيم له على طريقة واحدة، ثم هي أسيرة الكلام الناعم، وكل المسلسلات والأفلام كلامها ناعم، كلهم يبيعون كلاماً؛ فهم يأخذون عليه مالاً، الحلقة الواحدة بخمسة وأربعين ألف جنيه، وهذا هو بائع الكلام الوحيد الذي يكسب، هو هذا الإنسان.
إذاً: المرأة مع ضعفها أمام كلام المسلسلات، ومع وجود المشاكل بين الزوجين، مع أن ذلك الممثل بينه وبين امرأته مشاكل، فإذا كانت المرأة ضعيفة أمام هذا السحر، إذاً: أنت تعرضها لأن ترى رجلاً أجمل منك، وتسمع كلاماً أعذب من كلامك.
وبعد ذلك يشتكي الرجل ويقول: امرأتي ناشز عليَّ!! يا أخي! أزل أسباب الشكاية أولاً، روى الإمام مسلم أن أنجشة لما كان يحدو للإبل وقد كانت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم يركبنها، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أنجشة! رويداً! رفقاً بالقوارير)، والظاهر من لفظ الحديث (رفقاً بالقوارير) أي: حتى لا تجري الجمال وتشتد سرعتها فتتعب أمهات المؤمنين اللواتي يركبن على ظهرها، هذا هو الظاهر من رواية مسلم.
لكن ورد في مستدرك الحاكم بسند جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك حتى لا يتأثر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بصوت أنجشة، قال: (رفقاً بالقوارير) فقد خشي أن يؤثر فيهن ذلك الصوت الجميل، مع أنهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ويشهد لهذا المعنى قول الله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:٥٣]، وقوله لهن: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:٣٢]، سبحان الله! الذي في قلبه مرض سوف يطمع في ماذا؟ وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم هن أمهات المؤمنين، ولا يحل لأحد نكاحهن أبداً.
إذاً: معنى هذه الآيات يشهد لمعنى الحديث، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخشى على أزواجه وعلى قلوبهن من الصوت الحسن؛ فكيف بالمرأة في هذه الأيام وهي تسمع آهات الرجل وهو يغني، وآهات المرأة وهي تشتكي بعد حبيبها؟! إنها مصيبة عظيمة، وأنت مسئول عنها أمام الله عز وجل! فإذا كنت لا ترجو نجاتهم فارج نجاتك أنت، لا تعرض نفس للتلف، وكن أنانياً محباً لنفسك.
فمن أراد أن يحقق الهجرة -وهذه بداية الهجرة الكبيرة- فليخرج من هذه المعصية إلى الطاعة، يخرج من جهاز التلفاز والمعاصي الموجودة في البيت إلى الطاعة، اخرج من ملابسة أهل العصيان اختياراً، فإن من لابس المعصية ولو بجهل فلا يلومن إلا نفسه، فلو أن رجلاً مثلاً عطش فوجد خمارة -حانة- فدخل وشرب ماء وخرج منها، فرآه الناس فقالوا: انظروا إلى هذا الرجل، لقد كان يشرب خمراً! وهم لم يعلموا ماذا كان يعمل في الداخل، كذلك لو دخل رجل بيت دعارة يبحث عن مسكن ثم خرج، فرآه الناس فقالوا: انظروا إلى هذا الرجل ماذا كان يعمل! واتهموه ووقعوا فيه، فلا يلومن إلا نفسه، مع أنه فعل هذا بغير قصد، فكيف إذا لابس أهل العصيان؟! نسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معاصيه، وأن ينفعنا بما سمعنا.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.