فنحن عندما نشعر بالغضاضة في صدورنا من الفتوى وليس الهوى هو المحرك، نلتمس مفتياً آخر، فإذا التمست المفتي الثاني والثالث وكانت نفس الفتوى فماذا تفعل؟ قالوا: إذا شعرت بحرج تلتمس مرجحاً، فإذا وافقهم الثالث فهذا هو الحكم ولا عبرة بما يحل في قلبك، لأنه قد يكون وسواساً، وقد يكون هوى، أو إذا لم تعجبك الفتوى وتريد فتوى خطية وأنا قلت: شرط أن تنتقل من هذا إلى هذا البراءة من الهوى.
جاء إلي شخص مرة وقال لي: طلقت امرأتي مرتين، قلت لها في المرة الأولى: أنت طالق، وفي المرة الثانية قلت لها: أنت طالق، وفي المرة الثالثة قالت لي هي وصعدت على الكرسي: إن كنت رجلاً طلقني! فقلت لها: أنت طالق! فما رأيك يا شيخ في هذا؟ فقلت له: بغض النظر عما قالت لك فالمرأة بائنة بينونة كبرى، ولا يحل لك أن تعيش معها، فقال: أنا أحبها! فانظر حتى بعدما قال: صعدت على الكرسي، وقالت لي: لو كنت رجلاً، ومع هذا يقول: أحبها!!! لو كانت هذه آخر امرأة على وجه الأرض، فإن أي رجل تتدفق في عروقه دماء الرجولة لا يمكن أن يبقي هذه المرأة على الإطلاق، فيبكي ويقول: أقبل يدك!! وكأن المسألة في يدي أنا، فأقول: يا بني هذه ليست بيدي، ولكن اذهب إلى لجنة الفتوى، فقلت له: تعال لي بعدما ترجع وأخبرني كيف كانت الفتوى، فطبعاً لم يرجع، ولكن أتاني أخوه وقال: إنه ذهب إلى مسجد بجانبهم إلى شخص مقيم شعائر، وبكى هناك قليلاً وقال: الأولاد سيشردون، ولم أكن أقصد، فقرص أذنه وقال له: هات ثلاثين جنيهاً ولا تكررها، وارجع لها.
فهذا الشخص يريد فتوى خطية، جاءني فلم تعجبه الفتوى، فذهب إلى لجنة الفتوى ولم تعجبه الفتوى، ثم ذهب إلى مفتٍ ثالث ولم تعجبه الفتوى، كل هذا لأن قلبه لم يسترح من الفتوى، فلا يجوز لهذا أن يعدد السؤال فشرط أن ينقل السؤال من مفتٍ إلى مفتٍ آخر أن يحيك في صدره شيء من فتوى الأول، وليس الهوى هو الذي يدفعه، يعني أن يكون خالياً من الهوى، فإن كانت الفتوى الثانية لا يزال يحيك في صدره شيء منها مع البراءة من الهوى يلتمس الثالث، فالثالث إما أن يرجح فتوى الأول أو فتوى الثاني فيصيرون اثنين على واحد، أو إذا وافق الاثنين وصاروا ثلاثة فلا يحل له أن يسأل الرابع.
إذاً عندما قال:(دلوني على أعلم أهل الأرض) وانتقل من مفتٍ إلى مفتٍ آخر، هذا يشرع لنا في ديننا بالشرط الذي ذكرته، فلما ذهب إلى الراهب العالم قال له:(إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ فقال: نعم.
ومن يحجب عنك باب التوبة، اخرج إلى أرض كذا وكذا).
ففتوى هذا الرجل العالم جميلة فيها بهاء، وكذلك فتاوى الأئمة الكبار، مثل الأئمة الأربعة أو العلماء المجتهدين، وكذلك تعليلهم للفتاوى، تجد جمالاً ليس في مجرد الفتوى، بل هي فتوى وتعليم.