يا أيها المسلمون! أين العالم الرباني؟ أين فيكم مثل العز بن عبد السلام هذا العالم القوي الشكيمة؟ لما جاء الملك أيوب -وكان ملكاً على مصر- في احتفال رسمي للدولة، وهو قاعد على الكرسي شامخاً، وحوله الناس يقبلون الأرض، ودخل العز فصرخ وقال: يا أيوب! تذكر إذا قال الله عز وجل لك: ألم أملكك الأرض ثم تبيح شرب الخمر في الحانة الفلانية، وتترك الدار الفلانية للدعارة والزنا؟! فغضب الذين حول الملك أيوب كيف يناديه بـ أيوب ولا يقول له: يا أمير المؤمنين! أو يا أيها الأمير! أو يناديه بالكنية؟ فقال أيوب: وأين ذاك يا سيدي -يقول للعز -؟ قال: في الحانة الفلانية والحانة الفلانية.
قال: يا سيدي! هذا أنا لم أفعله، إنما هذا كان من زمان أبي.
قال: أنت من الذين يقولون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}[الزخرف:٢٣]؟ فأمر أيوب بإبطال هذه الحانات وما فيها من المنكرات.
قال له أبو الحسن البادي -وقد انتشرت الواقعة في الديار المصرية-: ألم تهب الرجل؟! قال: يا بني! إني استحضرت هيبة الله عز وجل فرأيت السلطان قدامي كالقط.
كيف يمكن أن يستحضر بهذه السرعة إلا إن كان هذا الرجل مدرباً على استحضار النية الصالحة من كثرة إدمانها، والعز بن عبد السلام هذا مثل قريب، ولو ضربت الأمثلة في القرون الفاضلة لرأيتم العجب.