[معنى إقامة الصلاة في الشرع]
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
قال الإمام مسلم رحمه الله: حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا وكيع عن كهمس عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر (ح) وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري وهذا حديثه، حدثنا أبي حدثنا كهمس عن ابن بريدة عن يحيى بن يعمر قال: (كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم -وذكر من شأنهم- وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف، قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه؛ ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر.
ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً.
قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه).
نتكلم اليوم مع أعظم الأركان العملية وهي الصلاة، والأمر بالصلاة في كتاب الله عز وجل، وفي كلام النبي صلى الله عليه وسلم ليس أمراً مجرداً، بل هو أمر له وصف، فإن الله عز وجل إذا أمرنا في القرآن بأن نصلي قال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:٤٣]، {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الحج:٧٨] فكلمة (أن تقيم الصلاة) ليس معناها أن تصلي، بل إقامة الصلاة قدر زائد على مجرد الصلاة، وهي الصلاة التي عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث لما قيل له: (إن فلاناً يصلي ويسرق! قال: ستنهاه صلاته يوماً) أي: إن العبد إذا أقام الصلاة نهته، وهذه الإقامة هي المعنية بقول الله عز وجل: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:٤٥] فالصلاة المحلاة بالألف واللام تفيد العهد أنها صلاة بعينها، أمر الله عز وجل بها، والتي لو أقمتها كما أمر الله بها؛ فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وليس مجرد أي صلاة، فإننا نرى رجالاً يصلون ويرابون ويسرقون ويزنون، فهؤلاء ما أقاموا الصلاة.
وإذا أردت أن تقيم الصلاة فامتثل قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ مالك بن الحويرث: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فإذاً نحن ملتزمون بصلاة النبي عليه الصلاة والسلام، إذا أردنا أن نقيم الصلاة يجب أن نلتزم بها، فهل جماهير المسلمين اليوم يعرفون كيف كان يصلي النبي عليه الصلاة والسلام؟
الجواب
لا؛ لأننا ورثنا الصلاة، وما تعلمناها.
سل الذين يرسلون أيديهم في الصلاة ولا يضعونها على صدورهم كما هي السنة: آلنبي صلى الله عليه وسلم أرسل يديه ولو مرة في حياته وهو القائل: (صلوا كما رأيتموني أصلي) ومثل: (خذوا عني مناسككم) سواء بسواء؟ ما حجة أولئك في ترك أيديهم والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرنا معاشر الأنبياء أن نعجل فطرنا، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) فكأنها سنة الأنبياء أن تضع اليمنى على اليسرى، لكن لما غلب التقليد على المتأخرين صاروا يتعاملون مع المذاهب الفقهية كأنها أديان متباينة، فعلامة المالكي أن يرسل يديه، وعلامة الشافعي أن يضع يديه على صدره، وجهل بعضهم فقال: إن ركعتي الشفع في المذهب الشافعي فقط؛ لأنها تواطئ اسمه.
وهذا شخص من جماعة الخروج -الذين يخرجون في سبيل الله- سألته مرة فقلت له: ما دليل الخروج؟ قال: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة:٤٦] يعني فالذين لم يخرجوا جميعاً كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل: اقعدوا مع القاعدين، أي: لم ينج من هذا الذنب إلا هؤلاء الثلة الذين خرجوا، والباقون غضب الله عليهم وثبطهم؟! وهذا يذكرني عندما جاءت معاهدة السلام قيل لهم: ما الدليل؟ قالوا: (إن الله هو السلام)، (ادخلوها بسلام)، (تحية الإسلام السلام)، كلما وجدوا لفظاً يواطئ المعنى الذي يريدون استشهدوا به، بغض النظر عن السياق الذي ورد فيه اللفظ؛ حتى صاروا أضحوكة للعقلاء: أمور يضحك السفهاء منها ويبكي من عواقبها اللبيب فهؤلاء يقولون: ركعتي الشفع خاصة بـ الشافعي! ونقول: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤] إذاً هذه قراءة مالك، فـ مالك يقرأ بها؛ لأن (مالك) وافقت اسم مالك! هذا كله بسبب أن الذين قلدوا المذاهب الفقهية اعتبروها كأنها دين مستقل، فالذين يرسلون أيديهم في الصلاة ما صلوا كما أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام، فلو قلت لواحد: اركع، وأرني كيف يكون ظهرك إذا ركعت؟ لو قلت له: اسجد، وأرني أنفك هل يمس الأرض أم لا؟ ربما تجده يرفع أنفه من على الأرض وهكذا، فإذا سمعت قول الله عز وجل: {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الحج:٧٨] لا بد أن ترجع إلى السنة لتعلم كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي.
والأصل في تعليم النبي عليه الصلاة والسلام أنه يشمل الرجال والنساء معاً، فإن هذا النداء في القرآن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:١٥٣] يشمل الرجال والنساء معاً، وهذا الأمر (صلوا كما رأيتموني أصلي) يشمل الرجال والنساء معاً، فمن العجب أن بعض المذاهب الفقهية تقول: إذا سجد الرجل فليجاف يديه عن جنبيه وليبالغ، إلا المرأة فإنها تنجمع لأنها عورة! فنسألهم: هذا القول من أن المرأة يدخل بعضها في بعض إذا أرادت أن تسجد، ما دليله؟ وهل النبي عليه الصلاة والسلام فرق فأمر النساء أن ينجمعن، وأمر الرجال أن يجافوا أيديهم عن جنوبهم؟ الجواب: لا، لا تجد على هذا أثارة من علم، بل الرجال والنساء معاً على السواء في المجافاة.