سن لنا النبي صلى الله عليه وسلم دعاءً ندعو به يشتمل على التوحيد وعلى العبودية:(اللهم أني عبدك وابن عبدك وابن أمتك) أي: أنا عريق في العبودية، عريق النسب، ضارب الجدود في العبودية، فأنا عبد وأبي عبد وأمي أمة.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يكثر من ذكر هذا البيت في جلوسه وقيامه، ومشيه وسفره وترحاله، قائلاً: أنا المكدي وابن المكدي كذلك كان أبي وجدي أي: كلنا خدم، وطيلة عمرنا ونحن مماليك خادمون للملك، (أنا المكدي) أي: أعمل بالأجرة، مكدود، و (كذلك كان أبي وجدي) أيضاً، كلنا خدام للملك، ومماليك:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:٢١].
فاشتمل هذا على الإقرار بعبوديته لله عز وجل، وأكثر ما ينغص على الناس في شأن الإيمان: خروجهم من العبودية، وخذ مثلاً: رجل تقدم لوظيفة، فقال: أنا لا آتي إلا مرة في الأسبوع، أو قال: لا آتي إلا شهراً في العام، وآخذ العمل وأعمله عندي في البيت، من الذي يقبل منه هذا إذا ذهب إلى مصلحة حكومية أو إلى أي وظيفة؟! فهؤلاء الذين يناديهم المؤذن فلا يأتون المسجد إلا يوم الجمعة، أليس هذا كالذي يقول: أنا لا آتي العمل إلا مرة في الأسبوع، وهذا الرجل سيفصل قطعاً؛ لأن العمل له ضوابط ولوائح، وسيفصل قطعاً إذا استمر على هذه السياسة، كالذي يقول: أنا لا آتي المسجد إلا يوم الجمعة أو لا أصلي إلا في رمضان كما هو شأن كثير من الناس، وأنا أنظر إلى صلاة القيام شعرت بغصة في حلقي، أين الناس؟ أين ذهبوا؟ لماذا هذا الجحود؟ لماذا تعاملون الله هكذا أيها المحقرون؟ فإذا كنا معاشر البشر لا نرضى هذا لأنفسنا وفي أعمالنا، فكيف نرضاه لله تبارك وتعالى، وهو الغني عن طاعة الطائع ولا يضره عصيان العاصي؟ فالعبودية أمرها عظيم للدين كله، ما أرسل الله الرسل ولا أنزل الكتب إلا لتحقيق أمر العبودية، فمن تمام العبودية ألا يكون لك أمر مع سيدك:{اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك} هناك استعطاف، إذاًَ: مبدأ الأمر كله ذل وخضوع، وهذه هي الصفة الملازمة للعبودية.