واعلم أن كثرة الطعام مجلبة للنوم، وكثرة النوم مظنة الفساد، وفوات المصالح وقد سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن جده في نهاره وقيامه في ليله، وأن في هذا إرهاقاً وأي إرهاق، يقول:(إنني لو نمت في نهاري ضيعت رعيتي، ولو نمت في ليلي ضيعت نفسي، فكيف الخلاص منهما؟!).
وكان أبو حصين رضي الله عنه كثير قيام الليل، وكان يضع عصاه بجانب مصلاه، فإذا أحس أن رجليه لا تقويان على رفعه ولا على حمل بدنه، كان يضرب رجليه بالعصا، ويقول لهما:(أنتما أحق بالضرب من دابتي، أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم لم يخلفوا بعدهم رجالاً؟ والله لأزاحمنهم على الحوض ويقوم)، وهذه لا يفعلها رجل ممتلئ البطن، وهذا ما يدل عليه قول لقمان الحكيم فيما يروى عنه:(إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وكفت الأعضاء عن العبادة.
وكذلك إذا امتلأت المعدة ازداد الشبق، وعظمت الشهوة، وبدأ الشيطان يلعب بصاحبها ويفكر؛ كيف يصرف هذه الشهوة، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) -يعني: وقاية يتترس بها من عدوه-.
فإذا كان الصيام -الجوع- وقاية من حدة الشهوة؛ فإن كثرة الطعام مجلبة لهذه الشهوة؛ ولذلك أكثر الناس عصياناً أصحاب الترف، الذين يأكلون ما شاءوا ويشربون مالذ لهم ويملئون بطونهم، وعندهم من المال ما يستطيعون به تنفيذ أهوائهم.