[حرص أهل البدع على إبعاد أهل السنة عن منهجهم الحق]
فالمقصود أن أهل البدع ما تركوا طريق أهل الحق سالماً إنما وضعوا المتاريس فيه، وفي نفس الوقت فتحوا الطريق إليهم على مصراعيها، فينظر الناظر إلى طريقهم فإذا به يظهر في منتهى السهولة، وحين ينظر إلى طريق أهل الحق يرى العوائق والصعوبات فيظن الخير في اتباع الطريق السهل.
وهذا يذكرنا بحال أصحاب الأحزاب الدينية الذين يقولون: نحن ندخل مجلس الشعب، وبعد أن ندخل يحلها حلال، وندخل مع حزب العمل مرة، وندخل مع حزب الأحرار مرة، وأول ما ندخل نلعب عليهم، فيدخل ويقول لك: الانتخابات واجبة، ويدخل في الانتخابات، فإذا قلت لهم: كيف تدخلون مع حزب الوفد، بينما شعاره يقول: لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، أي: يقول: الدين في المساجد، وإنما أول ما تطلع خارج باب المسجد يحكمك القانون، لكن طول ما أنت في المسجد فسأترك لك البخاري ومسلم، وسأترك لك القرآن وتفاسيره، فإذا خرجت فسأمسكك بالقانون، وهذا معنى: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، فكيف بحزب علماني يقول بفصل الدين عن الدولة بمنتهى الصراحة، تذهب لتلتحق به وتعمل تحت مظلته؟ فيقول: أنا سأمسك المعارضة وأخليها إسلامية!! (مثل السمك المذبوح على الطريقة الإسلامية)!! فنقول له: ماذا تظن نفسك؟ ألا تعلم أنهم ما أجازوا التعددية الحزبية إلا بعدما أمنوا أنفسهم مائة في المائة؛ لأن من المعروف أن كل حزب يريد الحكم، فهل تتصور أن يترك لك خرم إبرة لكي تدخل منه للحكم، هذا بعيد عنك، لقد سد عليك كل الطرق، وسماها دستوراً، وسماها قرارات، ولجنة الأحزاب تعطي كل حزب يرغب في الانخراط في العمل السياسي لوائح معينة فإن وافق عليها أعطي تصريحاً بمزاولة العمل السياسي، ومتى ما خرج عن هذه اللوائح التي وافق عليها ابتداء، لوح له أولئك بهذه اللوائح، فإما أن يعود إليها وإما أن يسحب منه التصريح، فلا يكون أمامه إلا الانصياع والقبول بكل ما يملى عليه على أصل أن يأتي يوم من الأيام فيتمكن فيه من الإصلاح الذي يرجوه، فيبقى طول حياته ماشياً على الخط الذي هم عملوه، وهذا الخط يوصل إلى المحيط.
فهو يدخل في أهل البدع، لكن هل يا ترى إذا بقي على هذا المسلك إلى النهاية هل سيجد طريقاً؟ لن يجد إلا المحيطات، وقد يجد طريقاً جانبياً يفتحه له أهل البدع بعدما يكون قد تعبت أنفاسه، وبعد ذلك يغرونه بالمناصب والامتيازات، كما حصل في أول الصحوة، فالصحوة حين بدأت في الجامعات سنة (٧٤ و٧٥م)، كانت هذه الصحوة التي عمت الجامعات آنذاك سلفية، وكانت منشورات الجماعة الإسلامية آنذاك تحمل هذه السمة، فتجدها تنقل من كتب ابن القيم وابن تيمية والألباني، والشيخ ابن باز، فكانت صحوة سلفية مائة بالمائة، أما بعد سنة (٧٧، ٧٨م) بدأت الأحزاب السياسية تدخل وأخذوا الشباب، ووضعوهم في القمة، فقالوا لأحدهم: أنت تأتي رئيساً للكتلة الفلانية، وأنت تأتي رئيساً للكتلة العلانية، وكانت المؤتمرات في ذلك الزمان يحضرها ألوف مؤلفة، فتصور عندما يكون الشاب في سن العشرين ويجلس بجوار المجاهد الكبير فلان الفلاني، ويقال: وفضيلة الشيخ فلان الفلاني، الآن سيقدم لنا كلمة، وفلان الفلاني الذي كان بالأمس القريب يسمع مع الجماهير، إذا به اليوم من القادة، والكل يشير إليه، ولم يكن قد ظهر آنذاك الجماعات المختلطة كما هو حاصل اليوم، فتجد الجماعة الواحدة تحمل الفكر السلفي على التبليغي على غير ذلك، أما من قبل فلم يوجد إلا العاطفة الجياشة للإسلام.
فكل ما نحظى به الآن جماعات مشرذمة كانت فيما سبق تحمل رصيداً كبيراً من العمل الإسلامي، فكان الواحد من أولئك الشباب من واحد وعشرين سنة، لما يرى نفسه أصبح في هذا الموقع المبهر البراق لا يستطيع الرجوع، فخطفوهم بهذه الطريقة، حتى صار منهم من يعادي ما كان يعتقد أول مرة، وهذا بسبب الرياسة.
فأهل البدع لا تسلم لهم أبداً، فهم كالثعابين ناعمة الملمس لكن القضاء المبرم في لدغتها، ولذلك فإن الطريق الوحيد في وسط الثنتين والسبعين سبيلاً يحتاج منك إلى تفتيش، والأمر جد ليس بالهزل، هذا طريق ناح فيه نوح، وأضجع للذبح إسماعيل، وألقي في النيران إبراهيم، وزاد مقداراً على البكاء داود عليه السلام، ومشى وسار مع الوحي عيسى، وقاسى الضر أيوب، وعالج أنواع البلاء محمد صلى الله عليه وسلم، تزهو أنت باللهو واللعب؟!! هذا طريق كله دماء وأشلاء، لذلك ينبغي أن تعد العدة حتى لا يصرفك عن مواصلة السير ما تجده من مصاعب هذا الطريق، لكن عاقبته الجنة، قال صلى الله عليه وسلم:(ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة).
أسأل الله تبارك وتعالى أن يجمعنا وإياكم فيها، وأن يسددنا ويسدد أقوالنا، ويسدد أفعالنا، وأن يأخذ بأيدينا ونواصينا إلى الخير.