إن الحمد لله، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا ًعبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة الكرام: الصيام عنوان الإخلاص، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن الله تبارك وتعالى:(كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، ونعلم ضرورة أن الصيام للعبد أيضاً، فكل عمل ابن آدم له حتى الصيام؛ لأنه إذا لم يصم عوقب، فدل ذلك على أنه إذا عمل فهو له، وإنما استثنى الله عز وجل الصيام دون الصلاة -والصلاة هي رأس الأمر بعد الشهادتين- لأن الصيام عنوان الإخلاص، لا يتأتى فيه الرياء مثلما يتأتى في الصلاة.
إن العبد قد يتوضأ في بيته ويخرج إلى المسجد ويرائي الناس بصلاته؛ لكنه لا يستطيع ذلك في الصيام، فقد يكون في البيت وحده فيشتد به العطش حتى يكاد أن يهلك، ومع ذلك لا يستطيع أن يشرب هذا هو معنى الإخلاص.
إن الإخلاص في العبادة شرط باتفاق العلماء، والعمل الذي يخلو من الإخلاص لا قيمة له، قال الله تبارك وتعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً}[الفرقان:٢٣]؛ لأنه خالٍ من الإخلاص.
الإخلاص يرفع صاحبه من أسفل سافلين فيجعله في أعلى عليين، قال الله تبارك وتعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً}[النساء:١٤٥ - ١٤٦].