وهذا حديث رواه مسلم كلما تأملت فيه شعرت بسخونةٍ في عيني.
نزل النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب، فقال له أبو أيوب -وكانت الدار تتألف من طابقين-: (يا رسول الله! اصعد إلى فوق)، قال:(السفل أرفق بنا يغشاني أصحابي) يعني أصحابي كثر، فإذا كنت في الدور الثاني ما من رجل يريد أن يصعد إلي إلا آذى من أسفل البيت، فلا داعي، فصعد أبو أيوب في الدور العلوي، والنبي عليه الصلاة والسلام أسفل الدار.
في معجم الطبراني يقول أبو أيوب في هذا الحديث:(وانكسر لنا حُب)، وهو الجرة العظيمة، (فجففته بلحافي أنا وامرأتي والله ما لنا غيره، خشية أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم شيء، قال: فنزلت، قال: وبينما أنا أمشي بالليل إذ فزعت، وقلت: أأنا أمشي على سقيفةٍ تحتها رسول الله؟)، أرجلي الآن فوق رأسه؟ هذا سوء أدب، (قال: فانجمعت أنا وامرأتي) جلسوا في زاوية إلى الصبح، فلما أصبح (قال: فنزلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: والله يا رسول الله! لا أعلو سقيفة أنت تحتها، اصعد إلى فوق، فصعد، قال: (وكنت أُرسل إليه الطعام، قال: فكان يأكل، فلا آكل آنا وامرأتي حتى يأكل الطعام من عنده، فنتحرى مواضع فمه ويده)، فيتتبعانها ويأكلان منها، (قال: فأرسلت إليه ذات يومٍ ثوماً أو قال: بصلاً، فلم يأكل منه، ففزعت) لاحظ لفظة (فزعت) التي كررها مرتين (ففزعت وصعدت إليه فقلت: (يا رسول الله! لم تأكل من الثوم أو البصل أحرامٌ هو؟ قال: لا، ولكني أناجي من لا تناجي) لأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم الجواب صريح وواضح، أحرامٌ هو؟ قال: لا ولكني أناجي من لا تناجي، فقال أبو أيوب المحب:(لا جرم، أكره الذي تكره)، وإن كان مباحاً، لكن أنت تكره، أنا أكرهه، فهذا هو المحب.
هذا هو المحب قاعدة الولاء والبراء:(حبيب حبيبي حبيبي وعدو حبيبي عدوي).
إذا رأيت صاحبك يمشي مع عدوك فمحبته كاذبة، إذا اعتقدت النقص في حبيبك فمحبتك ناقصة، لا تتم محبتك إلا إذا اعتقدت الكمال فيمن تحب، ولا تلصق نقيصة به، وكلما عُظُم تصوّرك اكتمل حبُّك.