إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد: يقول الله تعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[يوسف:٢١] لقد اشتملت هذه الآية على عدة صفات لله عز وجل: كصفة العلم، وصفة القدرة، فلا يكون غالباً على أمره إلا إذا كان عالماً بما يئول إليه الحال، ولا يكون غالباً على أمره إلا إذا كان قادراً على إمضاء ما يريد، وهذا هو سر القضاء والقدر: العلم والقدرة.
لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم في هذا الباب نسيجاً وحدهم، ليس لهم نظير؛ لاستقامة فهمهم، واستقامة عربيتهم، فما كانوا يسمعون القرآن سماع الأعاجم، ولا كانوا يسمعون كلام النبي صلى الله عليه وسلم سماع الأعاجم، ففي الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:(كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ندفن جنازةً في بقيع الغرقد، وكان بيده عود، فجعل ينكت في الأرض بذلك العود، ثم قال: ما من نفسٍ منفوسة إلا كتب مقعدها من الجنة ومقعدها من النار، فقال سراقة بن مالك: يا رسول الله! أهذا أمرٌ مضى وانقضى أم لأمرٍ مستأنف؟ قال: بل لأمرٍ مضى) وفي الرواية الأخرى: (قالوا: يا رسول الله! ففيم العمل؟)، طالما أن كل إنسان قد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار قبل أن يخلق الله السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وقدر الله مقادير الخلائق، وجرى القلم بما كان وما يكون إلى قيام الساعة قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة إذاً ففيم العمل؟ قال:(اعملوا فكل ميسرٌ لما خلق له، فأما من كان من أهل السعادة، فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فإنه ييسر لعمل أهل الشقاوة.
ثم تلا قوله تبارك وتعالى:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}[الليل:٥ - ١٠] قال سراقة: فما أجدني أحرص على العمل مني الآن) هذا هو استقامة الفهم، قال: ما أجد حافزاً لي على الجد في العمل وطلب رضوان الله مثل الآن.