إن الحمد لله، نحمده ونستعين به ونستغفره، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أخرج الإمام أحمد والترمذي وصححه هو وابن حبان والحاكم من حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:(إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات؛ ليعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، وإن يحيى أبطأ فقال له عيسى عليه السلام: إن الله أمرك بخمس كلمات؛ لتعمل بهن وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم، فقال يحيى عليه السلام: إني أخشى إن أبطأت أن أُعَذَّبْ أو يخسف بي، فامتلأ المسجد -بيت المقدس- بالناس لما دعا يحيى عليه السلام إلى هذه الموعظة حتى قعد الناس في الشرفات فوعظهم قائلاً: إن الله أمرني بخمس كلمات، لأعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن: آمركم أن لا تشركوا به شيئاً، وإن مثل ذلك -أي: مثل من أشرك- كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله وقال له: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأد إليَّ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟! وإن الله خلقكم ورزقكم فلا تشركوا به شيئاً، وأمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا، وأمركم بالصيام، وإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة مسك، وهو في عصابة، فكلهم يعجبه أن يجد ريحها، وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وأمركم بالصدقة، وإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو وأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: هل لي أن أفتدي منكم بمالي؟ فجعل يعطيهم القليل والكثير حتى فك نفسه، وآمركم بذكر الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو في أثره سراعاً فدخل حصناً حصيناً فأحرز نفسه، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله).