الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن، والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ليس من الصواب أن يُسكت عن هؤلاء بدعوى أن هذا الكلام لا يستحق الرد، بعض الناس يقول: لا تشغلوا أنفسكم بالرد على مثل هذا؛ لأنه واضح البطلان، فلا ترد عليه.
ويقال: إن نفوس بني آدم متنوعة، فمنهم النفس التي تقبل مثل هذا السقوط، بل أشد من هذا السقوط، هناك نفوس ضعيفة جداً تتمنى مثل هذا القول حتى تعلق عليه أخطاءها، كما يقول قائلهم:(اجعلها في رقبة عالم واطلع سالماً).
مع أنه قد يعلم في قرارة نفسه أنه باطل.
جادلني رجل في فوائد البنوك بعدما أفتى المفتي بجوازها خلافاً لجميع علماء المسلمين، فهناك من هو متأرجح، وهو يعلم في قرارة نفسه أن وضع الأموال في البنوك حرام، لكن يقول: أريد أن أحتفظ بها؛ لأني لو أخرجتها سأنفقها، وأنا أعيش على عائداتها، فأنا مضطر أن أضعها في البنك.
وهو كاذب في دعوى الاضطرار، فلما وجد أن المفتي أفتى بذلك قال: الحمد لله، (مذهب العامي مذهب مفتيه) فأنا تبع لهذا المفتي.
هذا لا يقبل منه مثل هذا الاعتذار عند الله عز وجل، فمتى يكون مذهب العامي مذهب مفتيه؟ إذا لم يكن للعامي رأي سابق يركن إلى هواه فيه، فالرجل يسأل عن مسألة يريد أن يعرف الجواب لينفذه، فحينئذ مذهبه مذهب مفتيه؛ لذلك قال العلماء: لا يجوز للعامي أن يدور بالسؤال على أكثر من مفتي؛ لأن العامي لا يستطيع أن يرجح هذا حق أو هذا باطل، فمعنى أنه يدور بالسؤال على أكثر من مفتي -وهذا يقول له: حلال، وهذا يقول له: حرام ماذا يفعل العامي؟ يخرج من القولين جميعاً- لو كان عنده أكثر من قول سيتبع هواه في بعض الأقوال، لذلك قالوا:(مذهبه مذهب مفتيه) ولا يكرر السؤال على أكثر من مفتي إلا إذا حاك في صدره شيء تجنباً للهوى.
فبعض الناس ينتظر فتوى كهذه، وبعض الناس على أحر من الجمر ينتظر من يفتي بحل الزنا، يريد أن يتنفس، وهناك بعض الناس ينتظر حل السرقة، أو من يفتي بعدم جواز قطع يد السارق، وقد وجد من قال بذلك، فنفوس العباد متنوعة.