وبهذه المناسبة نصحح قولاً خاطئاً يجري على ألسنة الناس يقولون: ربنا نعرفه بالعقل فأقول: هذا كذب، لأن الله تبارك وتعالى لو عرف بالعقل استقلالاً لما كفر هؤلاء؛ لأن عقولهم أفضل من عقول كثير من عوام المسلمين المتقين الموحدين؛ لكن الهداية منة ومنحة من الله، ثم بعد ذلك يجيء دور العقل تبعاً، لتثبيت وجود الله تبارك وتعالى ومعرفته؛ لكن العقل لا يستقل بمعرفة الله وحده.
وهذا قول علماء المسلمين، خلافاً للمعتزلة ومن جرى مجراهم من أشباه العلماء الآن، الذين يجعلون العقل قاضياً على النقل، فإن لم يقبل عقله الحديث رده، ونحن لا ننكر دور العقل؛ لكن العقل في المرتبة الثانية، فالنقل أولاً، ثم العقل، فإن جاءك نقل صحيح لم يقبله عقلك، فاتهم عقلك ولا تتهم النقل.
إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعقله يزن عقول أمم لما قَبَّل الحجر الأسود قال:(والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولكن لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك).
فهو قام بتقبيل الحجر مع أن الإسلام قد جاء بهدم الأحجار التي اتخذت آلهة، ونحن لا نعظم حجراً، ولا نعبد حجراً، بل جاء الإسلام بتحطيم هذه العقيدة.
وعمر رضي الله عنه يقول:(إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر) وهذا من تمام عقيدته، وهو لا يفهم معنىً لتقبيل الحجر، ولكن الذي جعله يفعل ذلك هو ما بينه بقوله:(لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك).
وهكذا النصوص التي لا تفهم لها معنى، فإذا لم تفهم النص فكِلْه إلى عالمه؛ ولا ترد النصوص.