إننا نعيش الآن غربة شديدة محكمة، والذي ضاعف منها ضعفنا أيها الغرباء، فنحن ضعاف لا نتحمل العذاب والفتن، لاسيما مع وجود الرءوس الجهلة الذين يفتون الناس بغير علم، ويسمع لهم، ويمكنون من أجهزة الإعلام.
ماذا يفعل المخلصون؟ إن أكثر خطيب الآن في مصر يحضر له الناس في خطبة الجمعة لا يتجاوز عددهم عشرة آلاف.
فهب أن نصيحته المخلصة وصلت إليهم، كم يكون قد استمع لها؟ عشرة آلاف رجل وامرأة.
أثبتت الإحصائيات الرسمية في أوائل الثمانينات أن العدد الثابت الذي يجلس لمشاهدة جهاز التلفزيون عشرة ملايين إنسان، ويزيد هذا العدد في المساء إلى ثلاثين أو أربعين مليوناً، لكن العدد الثابت عشرة ملايين إنسان، فإذا خرج عليهم جاهل يقول لهم: إن الموسيقى حلال؛ بدليل: أن الرياح إذا أتت على الشجر، واصطدمت بالفروع أصدرت أصواتاً تشبه العزف، وإن الطيور لتغرد، وإنك لتقرأ القرآن وقد أمرت بالتغني به، وهذا يدل على أن الموسيقى حلال وهذا يصادف هوى الجماهير التي تريد أن تثبت لنفسها أنها مسلمة من غير أن تخرج من أهوائها.
رجل يأكل الربا وإذا قلت له: لا يجوز لك أن تأكل الربا وعليك أن تترك كل هذه الملايين، عز عليه ذلك، فإذا قلت له: فوائد البنوك حلال، ولا شيء في ذلك، شعر ببرد الرضا؛ لأنه صار مسلماً موحداً مع وجود عدة ملايين تدخل في جيبه، ليس مستعداً أن يضحي بها؛ لذلك إذا قلت لصاحب الغناء: أرح أعصابك بموسيقى كلاسيكية، أو بموسيقى رومانسية، وأنت بذلك لست مخالفاً لدينك؛ شعر بالرضا، فإذا سمع بعضنا يقول له: لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحرى والحرير والخمر والمعازف) ولم يصادف ذلك هوى نفسه قال: أنا آخذ بفتوى الأول، فعندما تناقش أولئك: ما الذي دعاكم إلى إصدار مثل هذه الفتوى؟ قالوا لك: إن الفقه يتطور إن الفقه يتجدد.
فنعوذ بالله من أولئك الذين سماهم بعض الأذكياء بـ (المجددينات)! قال له سائله: وما المجددينات؟ وأي جمع هذا؟ ليس بجمع مذكر (مجددون)، ولا بجمع مؤنث (مجددات) أي جمع هذا؟! فأجابه إجابة أبدع من التسمية، وقال له: هذا (جمع مخنث سالم)، فأقسم له سائله أن اللغة العربية في أشد الحاجة لهذا الجمع، خصوصاً في هذه الأيام.
ماذا نفعل في أولئك (المجددينات) الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (يحدثونكم بما لا تعرفون وآباؤكم) لا نعرف هذا في آبائنا الأولين، غربة استحكمت على الغرباء مع ضعف إيمانهم وجهلهم، وكثرة الفتن عليهم، فلا شك أنهم يختلفون عن الغرباء الأولين.