البيئة المسلمة تؤثر في الساكنين فيها، حتى لو كانوا من الكفار، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:(عجب الله من قوم يدخلون الجنة بالسلاسل)، يجر أحدهم إلى الجنة وهو مسلسل، فتعجب الصحابة من ذلك: كيف يسلسل ويجر إلى الجنة، والكل يطمع في الجنة، ولو فتحت أبوابها لدخل البطالون قبل المؤمنين، فذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة بالسلاسل هم الأسرى، الذين وقعوا أسرى بعد الحرب، فجيء بهم مسلسلين في العبودية وفي الرق إلى بلاد الإسلام، فلما رأوا الإسلام ورأوا سلوك المسلمين أسلموا، فكان إسلامهم الأول بالسلاسل.
أما اليوم لو نزل رجل كافر في أي مطار من مطارات البلاد الإسلامية لما وجد فرقاً بينها وبين البلاد الكافرة، ولو مشى في شوارع البلاد التي تنتمي إلى الإسلام ما وجد كبير فرق بينها وبين البلاد التي يظللها الكفر، فنريد إرجاع الحياة الإسلامية مرة أخرى.
روى الإمام العجلي رحمه الله في كتاب الثقات في ترجمة الحسن بن صالح بن حي رحمه الله: أنه باع جارية له، فلما ذهبت الجارية إلى البيت الجديد استيقظت في نصف الليل، وصارت تنادي أهل البيت: يا أهل البيت! الصلاة الصلاة! فقاموا فقالوا لها: أُذن للفجر؟ فقالت لهم: ولا تصلون إلا الفجر؟! قالوا: نعم.
فلما أصبحت ذهبت إلى الحسن وقالت له: ردني إليك، لقد بعتني إلى قوم سوء لا يقومون الليل.
هذه جارية، لكن تربت في بيت الحسن.
تأمل معي بيت الحسن بن صالح: كان للحسن بن صالح أخ توأم اسمه: علي بن صالح بن حي، وكان علي أوثق الرجلين وأفضلهما في الحديث والرواية والضبط، فكان الحسن وعلي وأمهما، يقسِّمون الليل ثلاثة أثلاث، فكانت الأم تقوم الثلث الأول، ثم توقظ الحسن فيصلي الثلث الثاني، ثم يوقظ الحسن علياً فيقوم الثلث الأخير.
فلما ماتت الأم صار علي يصلي نصف الليل، والحسن يصلي النصف الآخر، فلما مات الحسن قام علي الليل كله؛ بيت بهذه المثابة تربت فيه تلك الجارية، فكيف لا تقول هذا الكلام؟!