[التعرف على صفات الله بالنظر والتفكر]
قال تعالى: {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:٥٩] فإذا أردت أن تصل إلى الله عز وجل سل أخبر الناس بالله.
وأخبر الناس بالله هم الذين يثبتون لله ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
نفي الصفات أكبر جريمة يرتكبها إنسان في حق نفسه لماذا؟ لأنها تضيع عليه باب زيادة الإيمان، ومحبة الرحمن تبارك وتعالى، ولذلك تجد معظم آيات القرآن تنتهي بصفة من صفات الله أو صفتين: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس:١٠٧]، {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم:٤] {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ} [إبراهيم:٤٧] {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم:٥٤] دائماً تجد أغلب نهايات الآيات- صفات لله تبارك وتعالى، فأنت حين تتأمل هذه الصفات مع سياق الآيات تقوي بذلك إيمانك مباشرة.
ولهذا الذي يدلك على الله لابد أن يكون أخبر الناس بالله، والذي لا معرفة عنده بالله يضلك؛ لأنه لا يعلم وأنت حين تتأمل صفة من صفات الله عز وجل، ولتكن صفة الرحمن التي نحن نقرؤها في كل صلاة: {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:١ - ٣]، تتأمل صفة (الرحمن) هذه وترى أثرها في الكون؛ فإن إيمانك يزداد.
إيمانك يزداد إذا ربطت الأسماء الحسنى بالكون، فاربطها بمظاهر الكون يزدد إيمانك كلما نظرت أمامك أو خلفك لماذا؟ لأن كل شيء في الكون مربوط بصفة من صفات الله عز وجل.
مثلاً: المطر حين ينزل من السماء، الرسول عليه الصلاة والسلام -كما قالت عائشة -: (كان إذا رأى الغمام في السماء كرب له، وتغير وجهه، ولا يستقر على حال ويظل يدخل ويخرج، فتقول: يا رسول الله! إن الناس إذا رأوا الغيث استبشروا، وأراك إذا رأيته كربت له -مع أنه إذا كان هناك مطر كان هناك خير، فلماذا أنت خائف كلما ترى هذا الخير- قال: يا عائشة! وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، إن قوماً قالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:٢٥] فقال الله: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف:٢٤ - ٢٥] وما يؤمنني).
فما كان يستريح إلا إذا أمطرت ماءً.
يظل قلقاً؛ لأن هناك جماعة، ربنا سبحانه وتعالى قص علينا قصتهم في سورة الأحقاف، رأوا غماماً فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:٢٥]، هذا سحاب وسينزل المطر، فكان هذا فيه الحجارة، والرجم والخسف.
فيظل رسول الله صلى الله عليه وسلم قلقاً حتى ينزل المطر، ولذلك كلمة (مطر) في القرآن لا تستخدم إلا في التدمير، إنما الذي يستخدم في الرحمة (الغيث)، أي كلمة (مطر) تجدها في القرآن فهي تدل على العذاب: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} [الأعراف:٨٤] {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} [الأنفال:٣٢]، فإذا وجدت كلمة (المطر) فهناك حتماً خسف وتدمير وعذاب.
بخلاف لفظة الغيث؛ لأن (الغيث) فيه معنى الغياث والغوث والنجدة: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:٢٨] فكلمة (غيث) فيها غياث وفيها نجدة.
فحين تنظر إلى كلمة الرحمن وأثرها في الكون، وتربط كلمة الرحمن بمظاهر أنت رأيتها في حياتك ستنفعك لو وقعت في طامة أو في مصيبة.
قص عليَّ أحدهم قصة فقال: إن حماه وهو يسكن في القاهرة كان قادماً من محافظة الإسكندرية، لكنه وهو في الطريق -وهو عند كفر الدوار- زجاج السيارة سرطن، فجأة لم ير ما أمامه، فحاول عمل أي شيء، لكنه صدم طالبات مدارس، ومات رجل سنه فوق الستين، وأصيبت بنتان أو ثلاث في هذه الحادثة.
مباشرة أخذوه إلى القسم، وعملوا له محضراً وبعد ذلك اتصل بزوج ابنته -الذي يحكي لي هذه القصة- وذهب لكي يأتي به.
هو كان مستعجلاً آتياً من محافظة الإسكندرية وذاهباً إلى القاهرة؛ لأن لديه ميعاداً مهماً جداً في الصباح الباكر.
لكنه -طبعاً- لم يقدَّر له أن يذهب القاهرة، وزوج ابنته أتى به في بلده، وقعدوا، وفي صباح اليوم التالي ذهبوا إلى القاهرة، ودخلوا غرفة النوم ورأوا شيئاً عجيباً: العمارة التي يسكن فيها سقفها مكون من طبقتين، مفرغ من الداخل، وجدوا أن الطبقة السفلى التي لغرفة النوم كلها واقعة على السرير.
دعنا نفرض أن هذا الرجل لم يحصل له هذا الذي حصل، وواصل طريقه، وذهب ونام على السرير لوحده؛ ونزل عليه هذا السقف! لطف الله به أو لا؟! لطف به، لكن لا يلزم أنه كل مرة يريك شيئاً لكي تعرف أنه لطف بك بل لا بد أن يظل ظنك بالله ملازماً لك أبداً.
إذا وقعت ورطة فقل: الحمد لله، كان سيحصل لي أعظم منها.
وأنت إذا تذكرت هذه الحكاية وقد وقعت في بلاء فقل: رحمته كما شملت فلاناً فإنها تشملني، وحين تربط ما تراه في الكون بصفة من صفات الله عز وجل، وكلما وقعت في بلاء تستصحب صفة الرحمة، وتتذكر الحادث وتعرف أن ربنا لطف بك، حينئذٍ تزداد لله حباً.
شخص يقص عليَّ قصة يقول: كانوا يوزعون بطانيات في أيام الشتاء البارد، والساعة الثانية عشرة ليلاً، والسماء كأفواه القرب، مطر ورعد وبرق وريح، بعد ما ذهب ببطانية لامرأة مسكينة، رجع البيت فسمع غطيط نائم على الرصيف -واحد بيشخر على الرصيف- فاستلفت نظره أن واحداً ينام بهذا العمق في هذا الجو، فتتبع مصدر الصوت وإذا به يجد رجلاً متسولاً، وقد تدثر بملاءة مقطعة.
ملاءة مقطعة، وهو ملتحف بها ويشخر! وشخيره يعني أنه مستغرق في النوم، ولن تسمع غطيطاًَ إلا لواحد مستريح، فإن النوم مع الأرق والقلق لا يأتي الغطيط معه، إنما الغطيط يأتي لإنسان نائم مستريح.
وهناك شخص -مثلاً- له بيت يذهب إليه ويقول لهم قبل أن يصل: شغلوا الدفاية حتى أصل، وخذوا البطانية الأسباني والإيطالي وضعوها على بعضها، وأول ما يصل إلى البيت، يدخل فيها مباشرةً ويظل يرتعش خمس دقائق إلى ست إلى سبع حتى يدفئه الغطاء.
هل أنتم تعتقدون أن الغطاء هو الذي يسخن من تلقاء نفسه؟ لا، الإنسان الذي هو يدفئه، الغطاء من أين يأتي بالحرارة.
جسمك أنت هو الذي يشع حرارة فأنت الذي تدفئ الغطاء.
وما هي مهمة الغطاء؟ أنه يحجز عليك الحرارة حتى لا تتسرب، فتشعر أنت بحرارة جسمك أنت هذه مهمة الغطاء، فتظل إذاً ترتعش لمدة عشر دقائق حتى تدفئ نفسك بنفسك.
وهذا الرجل مغطى بملاءة مقطعة، وعلى الرصيف، وفي هذا الجو؛ ونائم! إذاً: هو سبحانه وتعالى رحمن أو لا.
إن رحمته وسعت عباده حتى الفقير المعوز؛ لأنه عبده وهو خلقه، فلا يعذبه، يرحمه.
فحين تذكر الرحمن، وتستحضر هذه الصفة معك، ويعرض لك بلاء في الدنيا تتذكر وتقول: مثلما أنجاه ورفع عنه ينجيني، فأنا عبده، فيحملك على اللجوء إليه والتعلق به ومحبته.
نوظف هذا الكون كله لزيادة الإيمان بالله عز وجل.
مثلاً: تأمل في الأرض والنبات.
ونحن أيضاً نهدي هذا الكلام للنساء، اللاتي لم ينعم ربنا سبحانه وتعالى عليهن بنعمة الولد.
امرأة عقيم، تتمنى أن ترزق بولد، أو رجل يتمنى أن يرزق بولد ونفسه ربنا يرزقه بولد.
انظر قال الله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت:٣٩] تأمل هذه الصورة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً} [فصلت:٣٩]! (خاشعة) أي: ذليلة، أرض جرداء، كذلك المرأة إذا لم تكن حاملاً أو يكن عندها قابلية للحمل تعتبر مثل الأرض البور، تلاقيها هكذا مكتئبة! وحزينة! ولا أمل لها في الدنيا؛ لأن الخشوع أحد علامات الذل، الخشوع أحد علامات الذل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:١] * {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:٢] الخشوع علامة ذل.
فأرض لم ينزل عليها الماء فهي بور، والناس يزهدون فيها، فيبقى فيها ذل وخشوع وإخبات: {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ} [فصلت:٣٩] فالمرأة حين لا يكون لديها ولد، وحاولت مرة واثنتين وثلاثاً وأربعاً، وجاء الحمل، انظر إليها؟! تجدها اهتزت وربت، وتورد خداها، وشعرت أنها أهل للحياة، مثل الأرض بالضبط، والمرأة مثل الأرض تماماً.
وفي كتب الأدب يذكرون قصة المرأة التي كانت تنجب البنات والرجل يريد ولداً، فتزوج امرأة أخرى، وفي باله أن يرزق منها الولد، وهذا خطأ، فإن ماء الرجل يخلق الله عز وجل منه الذكر والأنثى، المرأة ليس لها دخل في المسألة.
فهذه المرأة التي لم تنجب إلا البنات، ثم ذهب الرجل يتزوج عليها لكي ينجب الولد -أبو السباع يرثه ويخلد ذكره في الأرض- فالمرأة الأولى ترى زوجها وهو يدخل دوماً للمرأة الثانية، فجعلت تدهده بنتها وهي تقول: ما لـ أبي حمزة لا يأتينا غضبان أن لا نلد البنينا تالله ما ذلك في أيدينا إنما نحن كالأرض لزارعينا انظر إلى المرأة الذكية عرفت هذه القضية من زمان! {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيي الْمَوْتَى} [فصلت:٣٩].
انظر إلى الإلزام القرآني! انظر المغزى! أصلاً هناك بعض الناس حين تدخل له مباشرةً ويفهمها يدافع عن رأيه ويعاند أول ما يفهمها يضيع عليك الذي أنت تريده، فلا بد أن تترفق به.
بعد ما ذكر الشيء المُشاهد الذي يراه الناس قال: {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْييِ الْمَوْتَى} [فصلت:٣٩] قضية مرتبطة ببعض.