روى أبو علي القشيري في تاريخ الرقة في ترجمة ميمون بن مهران، وكان كاتباً لـ عمر بن عبد العزيز، قال ميمون بن مهران لابنه عمرو: انطلق بنا إلى دار الحسن البصري، قال ابنه -راوي القصة-: فانطلقت بالشيخ -يعني أباه- أقوده إلى الحسن، قال: وبينما نحن ذاهبون إلى دار الحسن اعترضنا جدول ماء -يعني قناة- ولم يستطع الشيخ أن يعبرها، فجعل الولد نفسه قنطرة فعبر والده على ظهره إلى الجانب الآخر، ثم قام وأخذ والده وانطلق حتى أتى بيت الحسن، وطرقوا الباب فخرجت الجارية وقالت: من؟ قال: ميمون بن مهران، فقالت له الجارية: يا شقي! ما أبقاك إلى هذا الزمان السوء؟ فبكى ميمون وعلا بكاؤه، فلما سمع الحسن بكاءه خرج إليه، فسلم عليه واعتنقه، فقال ميمون: يا أبا سعيد! شعرت أن في قلبي غلظة فاستلن لي، فقل لي شيئاً يرققه، خرج ميمون من بيته لأنه يشعر أن في قلبه غلظة، فمن منّا يتحرك لهذا المنطلق؟! لو أتاك طبيب وقال لك: عندك تصلب في الشرايين ولا بد أن تأتيني كل شهر، وتسافر إلى (لندن، وباريس، وفيننا) لسافرت!! من أجل أن تعيش بعض السنين، وكم أكلت الأرض من عافية الناس؟ ومع ذلك تجد بعض الناس يعمل لنفسه استشارياً لأمراض القلب وضغط الدم، وإذا حصل له أي تغير أو ألم بسيط سارع في الاتصال بمستشاره لإخباره بما حصل، ويقول: حصل لي كذا وكذا فكل رجل فينا يحتاج إلى استشاري أمراض القلب وضغط الهم! وليس ضغط الدم!! وعندما تشعر بقسوة تذهب إلى هذا الاستشاري كما ذهب ميمون إلى الحسن رحمة الله عليهم.
ثم قال ميمون: يا أبا سعيد! أصوم له -أي لهذه القسوة في القلب-؟ فقال الحسن: بسم الله الرحمن الرحيم {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}[الشعراء:٢٠٥ - ٢٠٧]، فأغشي على ميمون، أي: أغمي عليه، وجعل الحسن البصري يتفقد رِجله كما تتفقد رِجل الشاة المذبوحة يظن أنه قد مات، ثم تركه ودخل الدار، فأفاق ميمون، فقالت لهم الجارية: اخرجوا فقد أزعجتم الشيخ!! ويفهم من ذلك أن الآية زلزلت الحسن أيضاً فدخل يبكي هو الآخر؛ لأن الآية أثرت فيه:{أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ}[الشعراء:٢٠٧].
فخرج ميمون وابنه عمرو، وفي عودتهم قال عمرو لأبيه: يا أبت! هذا الحسن؟! قال: نعم.
قال: ظننته أكبر من ذلك! يعني: ما الذي قاله؟ قرأ آيتين أو ثلاثاً من سورة الشعراء، أنا أحفظها، فضرب صدر ولده وقال: يا بني! لقد قرأ آية لو تدبرتها بقلبك لتصدع قلبك، ولكنه لؤم فيه، وهذه الآية لا تغادر سمعك إلا وتجرح قلبك.