[مبتدع يزعم أن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان]
هذا رجل قال: إن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان؛ لأن الله عز وجل قال: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف:٢٨]، وقال في كيد الشيطان: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:٧٦]! سبحان الله! ضع كل جملة في سياقها يظهر لك المعنى، أما بالنسبة لكيد الشيطان، فإن الله عز وجل قال: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:٧٦]، فكيد الشيطان هنا في مقابل كيد الله فهو ضعيف فعلاً؛ لأنه في مقابل كيد الله عز وجل؛ لكن النساء في قصة يوسف عليه السلام ذكر كيدهن في مقابل كيد الرجال، ونَعَمْ، فإن الرجال لا يستطيعون أن يجاروا النساء أبداً في هذا الكيد.
فما الذي أوصل كيد المرأة أن يكون أعظم من كيد الشيطان؟! هناك أناسٌ لا ينظرون إلى المعنى ولا إلى السياق ولا السباق ولا اللحاق، والكلام لا بد له من سياق وسباق ولحاق.
وهكذا عندما يبتعد الإنسان عن منهل السلف الصالح يقع في البدعة.
ولذلك كانت أدلة أهل البدع مخالفة أدلة أهل السنة، فأنت تنظر إلى حال أهل البدع يجدون ويجتهدون في العبادة، ولذلك تجد أن أتباع المبتدع كثيرون، بسبب أنهم ينظرون إلى هيئته، يسمع القرآن يبكي وإذا صلى يطيل الصلاة وتجده زاهداً! انظر إلى حال عمرو بن عبيد رأس المعتزلة القدرية، كان المأمون يعجب من زهده ورغبته عن الدنيا، فكان إذا رآه قال: كلكم يمشي رويد كلكم طالب صيد غير عمرو بن عبيد فكل واحد منكم يمشي رويداً، يريد أن يصطاد، فهو يمشي على مهله، وينظر يمنة ويسرة لعله يجد فريسة، فهو يقول: كلكم يمشي رويد كلكم طالب صيد غير عمرو بن عبيد وكان شديد الزهد، ومع ذلك لم ينفعه هذا الزهد.
فأنت تنظر إلى الخوارج الذين يصلُّون حتى يحقر الصحابةُ صلاتَهم إلى صلاتِهم، وصيامَهم إلى صيامِهم، ويقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، ومع ذلك فإن أسرع الناس خروجاً من الدين هؤلاء.
إذاً: ما نفعهم قراءةُ القرآن في الثبات على الهدى، ولا كثرةُ الصلاة في الثبات على الهدى، ولا كثرةُ الصيام في الثبات على الهدى.
فالمبتدع التزامه هش جداً، وبالتالي كانت محنة طلب السنة والثبات عليها من أعظم المحن، وحتى لا يُظَنُّ أنني مبالغ في هذه الكلمة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة).
إذاً: أنت أيها المسلم أمامك ثلاثةٌ وسبعون باباً، وهذه الأبواب اختلط بعضها ببعض، أنت قد تجد أحياناً باب الهدى لا منادي له، لغربة علماء السنة، وتجد على أبواب كثيرة من يدعو وينادي إليها، وعندما يأتي شخص جاهل خالي الذهن لا يدري أين باب الهدى في هذه الأبواب الثلاثة والسبعين، ولو سألت أي رجل: على أي باب؛ لقال لك: هذا هو باب الهدى ادخل، وأنت لا تدري، ادخل.
فتصور محنتك أيها المسلم في أي بابٍ تدخل.
وتجد أنه على كل باب شيطان يدعو إليه، فكلهم يحسنون البدعة، ويلبسونها لباس السنة، وكما قلت: الدعاة إلى البدعة زهاد وعُبَّاد.
فيغتر الإنسان بمنظرهم وكم أهلكت هذه الصورة من رجالٍ، حتى بعض الأذكياء ممن كنتُ أعرفهم وقع في شر طريقتهم وقع في الطريقة البرهانية، حتى إنه قال لي يوماً: إن الشيخ البرهاني في السودان يعلم ماذا أصنع الآن! وهو مقتنع تماماً بما يقول.