إذاً: سَلِّم لربك، فله العلم المطلق، وهو الذي يعرف الخواتيم، ولا حيلة إلا إذا علَّمك الله، واعتبر بحديث موسى عليه السلام، فهو نبي من أولي العزم ومرسلٌ إليه، ومع ذلك اعترض على الخضر.
الخضر علمه الله هذه الآيات، وموسى أفضل من الخضر بالاتفاق، ومع ذلك غاب عن موسى ما لم يعلمه ربه، وكانت رحلة موسى إلى الخضر بسبب كلمة واحدة قالها موسى عليه السلام، فأراد الله عز وجل أن يؤدبه وأن يعلمه؛ ذلك أن موسى عليه السلام كما في الصحيحين:(خطب بني إسرائيل خطبةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، ورقت لها الجلود، فقال رجل من بني إسرائيل: يا نبي الله! أحدٌ في الأرض أعلم منك؟ قال له: لا.
فعَتَب الله عليه إذ لم يرجع العلم إليه) أي: لماذا لم يقل: الله أعلم (فقال الله له: إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: أي ربِّ! كيف لي به؟ قال: خذ حوتاً) إلى آخر القصة المعروفة.
فالله عز وجل هو الذي علَّم الخضر هذه القضايا وحجبها عن موسى؛ ولذلك بادر موسى إلى الاعتراض بما عنده من العلم، فالغلام الذي قتله الخضر اعترض موسى عليه السلام، وقال له:{لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً}[الكهف:٧٤]، أي: فعلتَ شيئاً منكراً! لأن في شريعة الأنبياء أن مَن قتل نفساً يُقتل بها، فقتلَ {نَفْساً زَكِيَّةً}[الكهف:٧٤] وفي القراءة الأخرى المتواترة: {زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ}[الكهف:٧٤] بغير أن يرتكب الطفل جرماً فيُقتل بمقابل المقتول.
فأعلمه الخضر أن هذا الولد له أبوان مؤمنان شيخان كبيران، والله عز وجل خَلَقَه كافراً، وسيعيش كافراً، ويشب ويشيخ ويموت كافراً، فما ظنك بأبوين شيخين مؤمنين ضعيفين في بيتٍ فيه كافر متمرد! ماذا نفعل فيهما:{فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانَاً وَكُفْراً}[الكهف:٨٠].
من الذي يعلم هذه العواقب؟ الله عز وجل، ومَن علَّمه الله عز وجل.
وإذ قد انقطع الوحي بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، فلا يبقى إلا التسليم المطلق لأحكام الله عز وجل والرضا بما يقدره على العبد.
ومن أصول الإيمان: الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، حلوه ومره.