للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإيمان بالغيب دون شك أو زيغ]

مثال آخر لإيمان الصحابة بكتاب الله دون نقاش: ما روى الإمام الدارمي في سننه من أنه كان هناك رجل عراقي اسمه صبيغ -وبلاد العراق بلاد فتن وضلالات- كان يسأل المسلمين عن معنى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} [الذاريات:١]، والمعروف أن المقصود بها الريح، لكن صبيغاً أراد أبعد من ذلك، فلما علم أبو موسى الأشعري رضي الله عنه بذلك -وكان هو قائد الجيش آنذاك- كتب لـ عمر بن الخطاب يقول: معنا رجل يسأل المسلمين عن معنى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} [الذاريات:١] ففهم عمر مقصده، فقال: أحضره إلي، فجاءوا به إليه، فقال له عمر بن الخطاب: تسأل عن محدثة، وجعل يضربه على ظهره حتى أدماه، فتركه حتى برئ، ثم دعا به فضربه حتى أدماه، وتركه حتى برئ، ثم دعا به، فلما هم أن يضربه قال له: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد أن تقتلني فاقتلني قتلاً جميلاً، وإن كنت تريد أن تداويني فقد والله برئت، فأرسله، وكتب إلى أبي موسى الأشعري: لا أحد يكلم صبيغاً أبداً، فكان صبيغ العراقي يمشي ولا يجد أحداً يكلمه؛ فشق ذلك عليه، فشكى إلى أبي موسى الأشعري، فكتب إلى عمر: إن الرجل حسنت توبته وأفاق، وذهب الداء الذي كان به، فأذن عمر بن الخطاب في أن المسلمين يكلمونه ويجالسونه.

انظر! لو أن أحداً مثل ابن عربي هذا موجود في زمن عمر، وقال مقولته تلك في آية الكرسي؛ لضرب عنقه.

هان عليه القرآن؛ لأنه ورثه.

مثل ذلك مثل من عانى من الفقر، ثم مكنه الله من جمع الملايين، فتجده لا ينفق ديناراً إلا في مصرفه المناسب، حتى قد يصل به الأمر إلى البخل، أما من ورث المبالغ الطائلة بدون جهد أو تعب، تجده يصرف المال يمنة ويسرة دون حساب أو عقاب.

فلذلك تجد من يقول بتفسير الإشارة، ويحرف القرآن الكريم.

وقد فسر ابن عربي أيضاً قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:٦ - ٧] بقوله: هذه الآية إنما نزلت في أهل الورع!! -وماذا نعمل بقوله: (الذين كفروا)؟ - قال: أي: الذين كفروا إيمانهم، أي: غطوه؛ لأن أصل الكفر هو التغطية، وسمي الزارع كافراً كما في قول الله تبارك وتعالى: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد:٢٠]؛ لأنهم يوارون البذر في باطن الأرض، وسمي الليل كافراً لأنه يغطي النهار، وسمي الكفر كفراً لأنه يغطي الإيمان، فيأتي هو ويقول: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [البقرة:٦] أي: غطوا إيمانهم خشية أن يحبط بالرياء والسمعة، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:٦]، أي: لا يصدقون بتكذيب الناس ((خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ)) فلا يدخلها غيره، ((وَعَلَى سَمْعِهِمْ)) فلا يسمعون إلا منه، ((وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ)) فلا يرون غيره انظر إلى التحريف.

هان عليه القرآن الكريم حتى حرفه بدعوى التفسير.

وصدق من قال: ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا فمجرد المقارنة بين السيف والعصا تعتبر امتهان لمكان السيف.

فجيل الصحابة لا يقارن بمن بعده.

فهم جيل فريد قاتل وجاهد في سبيل نشر هذا الدين، وخضعوا كل الخضوع لكتاب الله، وطبقوه حق التطبيق.