[من تطبيقات المنهج الدعوي (قصة واقعية)]
ذات مرة ذهبنا إلى أحدهم لنأخذ منه أموال الزكاة ونوزعها على الفقراء، وقلنا له: يا عم متى نأتي لك؟ قال: يوم (١) في الشهر، فاستمر معنا شهراً واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة؛ لأنه رجل غني وكان يدفع أيضاً مبلغاً لا بأس به.
المهم بعد سبعة أو ثمانية شهور بدأ كأنه يمل، من ماذا؟ من النقد الذي يخرجه، فكلما أذهب ويراني أحس أنه متضجر قليلاً، أقول: ربما كان غاضباً من أمر ما زبون أتعبه أو أي شيء.
المهم أحسست أنه متضجر، كلما يراني يعرف أنني قادم لآخذ مالاً، وأنا ما أضع المال في جيبي.
نحن نريحه ونظل نطوف على الفقراء في عز الليل لكيلا يراك الناس، ونسهر ونذهب نؤدي عنك، وأنت جالس في أتم راحة ونحن نتعب بغير جزاء ولا شكور، ولا تعطينا أجرنا حتى في المسألة، ولا حتى (والعاملين عليها).
فأحسست أنه متبرم.
وبعد ذلك في الشهر الحادي عشر أو الثاني عشر -قال لي: آسف جداً جداً، المبلغ لا يكفي، هل يمكن أن تمر عليَّ بعد أسبوع؟! طالما ابتدأنا بهذه المسألة قلنا: نقطع منه الرجاء.
ولكن قلت: أنا في نفسي حاجة تؤلمني، لا بد أن أعملها قبل أن أمشي، فأتيت في الشهر الذي بعده، وأول ما دخلت قلت له: أنا لم آت أريد مالاً، أنا أتيت لكي أشغل المال عندك.
فطفق يقول: أبداً والله، أبداً، هذه خطوة عزيزة كريمة، العصير يا ولد! جلست وقلت له: أنت تشغل الألف بكم؟ قل لي: بخمسة عشر جنيهاً في الشهر لصاحب المال، وخمسة عشر لي، يعني الربح يطلع ثلاثين.
قلت له: حسناً أنا لو أعطيتك أموال يتامى، وأنت تعرف حال اليتامى هل يمكن تشغل لهم الألف بخمسين؟ قال: بخمسين كيف؟! هذا مستحيل.
قلت له: أنا كنت أطمع أن تقول لي: مائة! قال: كيف يا عم الشيخ، أنا لو أتاجر في المخدرات لن أكسبها.
قلت له: حسناً لو كان هناك واحد يعطيك الألف بمائة؟ قال: يدي على كتفك! قلت له: حسناً لو الألف بسبعمائة؟!! قال لي: يا عم الشيخ لا تتمسخر علينا! قلت له: لا والله لا أتمسخر عليك، عندي واحد يشغل الألف بسبعمائة.
فقال لي: قل لي: من؟! قلت له: الله، يعطي الألف بسبعمائة.
لم يكن الرجل يتوقع ذلك أبداً، فانكسف جداً، وبقي كله أحمر.
قلت له: يا أخي الكريم! وابتدأت أكلمه بالذي في نفسي قلت له: الشهر الفلاني كشرت في وجهي وكلحت، وأنا رجل لا أستفيد من ورائك شيئاً، ولا أضع (مليماً) في جيبي، فلماذا تفعل ذلك وهذا حق الله في المال؟! الله عز وجل لا يريد منك شيئاً، ربنا حين يرضى على أحد يعطيه من غير حساب، هذه الأرقام عندنا نحن، لكن ربنا سبحانه وتعالى حين يعطي يقول: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [البقرة:٢١٢].
صاحب هذه الخزائن كلها لا ينفع معه رقم أبداً، الرقم يصبح عيباً، الرقم مهما زاد يبقى عيباً، في الدنيا يقول لك: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [البقرة:٢١٢] وفي الآخرة يقول لك: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص:٥٤] لا ينتهي.
فهناك بعض الناس -وأنت ماض إلى الله عز وجل تدعو الناس- يحتاج أن تلف عليه، تلزمه بالقضية إلزاماً بدون ما تحسسه أنك ستصل لهذه النتيجة، حتى لا يفسد عليك دليلك، وهذا نوع من الجهاد.