للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بطلان القول بإيمان فرعون]

إن الذي يجري على الساحة الآن من القول بإيمان فرعون، وأنه مات مؤمناً، وأننا نحن هنا في مصر أجدادنا فراعنة، ولا بد أن ندافع عن جدنا الأعلى، معاذ الله أن يكون لنا جداً، إنه عريق في الضلالة، إن رب العالمين ذم فرعون بقدر ما ذم إبليس، ثم يأتي آت بعد ذلك ليقول: إن فرعون مسلم، ليرد بذلك على رب العالمين! ولا يوجد أي هيئة رسمية تحمل شعار الإسلام ردت على هذا الكافر الأثيم حتى هذه اللحظة، إن كفر فرعون مثل الشمس في رابعة النهار، لا يمتري فيه أحد على الإطلاق، ثم يأتي رجل فيقول: إن فرعون مسلم، وإنه في الجنة!! وقد صنف كتاباً سماه: (كشف الأستار عن المقطوع لهم بالجنة والمقطوع لهم بالنار) فذكر فرعون في المقطوع لهم بالجنة مع وضوح القرآن في أمر فرعون: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هود:٩٨] وقال تعالى: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى} [النازعات:٢٥]، وقال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:٤] وقال تعالى: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:٩١]، وقال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦] وهذا يقول: إن (الآل) ليس المراد به الشخص! هذا كذب، (اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، كما صليت على آل إبراهيم) فإن آل إبراهيم هو إبراهيم نفسه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي موسى الأشعري: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود) وما ثمَّ إلا داود الذي كانت الجبال والشجر والأرض تردد ترتيله، فلم يكن من ذرية داود من كان حسن الصوت مثله.

يقول هذا الكاتب: إن آل فرعون سيدخلون كلهم النار، وأما فرعون فيدخل الجنة، كيف وهو قائدهم، وهو معلمهم، وهو رائدهم؟!! لكن الشاهد في المسألة: أن يخرج رجل فيتكلم على شيء مقطوع به عند الخاص والعام، وهذا الذي يسميه العلماء: المعلوم من الدين بالضرورة، أي: يستوي فيه علم الخاصة وعلم العامة، وهذا هو الذي يقول فيه العلماء: يكفر تاركه أو جاحده، إنما الذي لا يعلمه إلا أهل العلم لا يكفر المرء به حتى تقام عليه الحجة المثالية التي يكفر تاركها.

فإذا قال رجل: إن فرعون مسلم، فما بال بقية أركان الإسلام؟ وما بال بقية أحكام الإسلام إن جحدها جاحد؟! وأطم من ذلك الرجل الذي قال: (إن إبليس هو الذي وحد الله والملائكة أشركوا) وينشر هذا في كتاب فيقول: إن إبليس هو الذي وحد الله، لماذا؟ قال: لأنه أبى أن يسجد إلا لله، لكن الملائكة سجدوا لبشر، والسجود لغير الله شرك.

أرأيتم إلى هذا الكلام!! ينشر فينا هذا الكلام ولا يحاسب فاعله ولا يقتل ردةً!! هذه علة لم يذكرها أحد من العالمين، بل أظهر رب العالمين العلة في عدم سجود إبليس فقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢] لم يقل: أنا الذي وحدتك ولا أسجد إلا لك، وهذه علة مبتكرة، هذا الكفر الذي يظهر الآن ويصادم المعلوم من الدين بالضرورة لهو علامة ضعف! وكيف لا يتجرأ اليهود علينا وقد رأوا مثل هذا في ديارنا، ومن كتَّاب ينتمون إلى الإسلام؟! إن الذي فعله اليهود برسم النبي صلى الله عليه وسلم على الصورة المشينة التي حدثت قبل ذلك ناجم عن مثل هذا.

لو كنا في أيام الخلافة العثمانية -التي وصفوها بالرجل المريض، لكنها كانت تقض مضاجع الأعداء- ما تجرأ أحد أن يفعل هذا، فهذا كفر مجرد، إنما أغراهم بفعل ذلك أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يسب في ديار المسلمين، ورأوا رب العالمين يسبُّ في ديار المسلمين، ومع ذلك لا توجد عقوبة رادعة فأغراهم ذلك ففعلوا الذي فعلوا!! فضياع موضع الحجة على أمثال هؤلاء نعمة؛ لأنهم إذا علموا موضع الحجة حرفوها، فليسوا أمناء، فإذا حرفوها ضل من ورائهم جيل، فقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [النحل:٧٥] أي: الذي أعماهم عن موضع الحجة {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [النحل:٧٥].