أما بالنسبة للكذب: فإنه لا يجوز في حق الأنبياء؛ لأن الكذب إنما يخرج من فم بني آدم، فإذا جرب على إنسان كذب فلا يمكن أن يوثق بشيء يخرج من فيه، لذلك كما عند الترمذي وغيره:(أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان خلق أبغض إليه من الكذب).
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر:(على كل شيء يُطبع المؤمن إلا الخيانة والكذب)، لا يكون المؤمن كذاباً.
وفي الحديث الصحيح في البخاري:(لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).
الكذب جناية عظيمة، وما حرفت الأديان إلا بالكذب، لم يقع شيء قط إلا وترى أن الكذب من أصوله، فالكذب جناية عظيمة ينزه عنه الأنبياء، حتى لا يتطرق ذلك إلى البلاغ الذي يحملونه من الله عز وجل إلى البشر، هذا بالنسبة للأنبياء.
أما بالنسبة لغيرهم: فإن الكذب كله حرام غير ثلاثة أنواع من الكذب، ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وأحمد وغيرهما من حديث أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ثلاث من الكذب لا أعدهن كذباً -وفي رواية: لا أعباء بهن- كذب الرجل في الحرب، وكذب الرجل يصلح بين المتخاصمين، وكذب الرجل على امرأته).
هذه الأنواع الثلاثة هي التي يمكن لنا أن نسميها تجاوزاً (الكذب الأبيض) وإلا فالكذب كله أسود، وذلك لما يتحمله العبد من الويلات ومن الحساب بسبب الكذب.
إذاً: المعاريض تشبه الكذب ولكنها تختلف عنه في الحكم، ولذلك نحن قلنا: إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب إنما عرض بالكلام.